من لا يعرف الكاتبة العالمية هلين كلير – كفيفة صماء بكماء – التى تحدت إعاقتها وأذهلت العالم، فلينظر إلى النسخة المصرية منها وهو الطفل محمد محمد حسن -8 سنوات- الذى أذهل جميع الحضور فى بطولتين للجمهورية فى السباحة ، وجعلهم يطيرون به فرحا بعد حصوله على المركز الأول فى البطولتين وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكم
ولكن وهبه المولى عز وجل نعمة الإحساس، التى استطاعت أسرته ومدربه تنميتها وتقويتها ليتفوق من خلالها على أقرانه .. كيف اكتشفت أسرته موهبته فى السباحة وكيف يتعامل معه مدربه، هذا ما تكشف عنه السطور التالية.
تقول هند محمود والدة محمد: فى شهر أغسطس 2006 رزقنى الله بمحمد وتوأم له فى الشهر السابع شقيقه كان طبيعيا، ولكن محمد دخل الحضانة لمدة 39 يوماً، وبعد خروجه لاحظت أنه لا يستجيب لإشارات يدى عند تحريكها أمام عينيه، فقمت بعرضه على طيب عيون متخصص فى الشبكية، وبعد وقت طويل من الكشف وعمل الاشعات تبين أنه مصاب بتليف وانفصال فى الشبكية نتيجة زيادة جرعة الأكسجين التى أخدنها من خلال جهاز التنفس الصناعى، مما أثر بالتبعية على عصب السمع والبصر، ولكن المخ لم يتأثر نهائيا.
حاسة اللمس
وتضيف: عندما أكمل محمد عامه الثانى اكتشفنا أنه لا يسمع نهائيا، لذلك قمنا بتركيب سماعات له ولكن دون جدوى، وفقد حاسة السمع والكلام نهائيا بالإضافة لحاسة البصر حتى أصبح «كفيفا وأصم وأبكم»، وكنا نتعامل معه فى المنزل عن طريق حاسة اللمس فقط، فهى اللغة الوحيدة التى يجيدها، وعلى الرغم من ذلك قمنا بعرضه على عدد كبير من أطباء التخاطب فى مصر وجميعهم أكدوا أن حالة محمد نادرة ولن يستطيع أحد التعامل معها سواء فى مصر أو خارجها، ونصحنى بعض الأطباء بعرضه على إخصائى تنمية مهارات حتى يكتشف مواهبه ونقوم بتنميتها، وبالفعل كان محمد ماهرا فى تركيب البازل وعمل أشكال مختلفة من الخرز، واستمر معه الإخصائي عدة سنوات.
بطولات وانتصارات
وتكمل: حين وصل محمد إلى عمر 5 سنوات قمنا بعمل زراعة قوقعة له وكانت فى شهر نوفمبر ولكن لم تأتى بنتيجة أيضا .. ومنذ عام تقريبا كان محمد ذاهبا مع توأمه وشقيقته 11 عاما إلى نادى 6 أكتوبر لممارسة رياضة السباحة، وكان معهما إخصائى تنمية المهارات، فاقترح على مدرب السباحة فى النادى تدريب محمد مع الأطفال لذوى الإعاقة الذين يمارسون السباحة، وبالفعل قبل الكابتن طه خضر مدرب السباحة فى النادى تدريب محمد، واهتم به المدرب لمدة عام كامل واشترك فى بطولتين وكان الوحيد من بين أقرانه المتعدد الإعاقة، حصل خلالهما محمد على المركز الأول فى الطولتين ، وهما بطولة الجمهورية الأولى التى أقيمت فى 25 أغسطس الماضى (50 متر حرة)، والثانية بطولة الجمهورية التى أقيمت فى 11 نوفمبر الماضى (25 مترا)، وحصل على ميداليتين ذهبيتين، كما حصل على بطولة مهرجان مديرية الشباب والرياضة التى أقيمت فى 22 سبتمبر المضى.
ذكاؤه واستجابته
وعن كيفية تدريب محمد الذى لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم يقول الكابتن طه: من حسن المصادفة أننى حصلت على رسالة الدكتوراه الخاصة بى فى كيفية التعامل مع المكفوفين، ولكن محمد بالإضافة لكف البصر فهو أصم وأبكم، ولكن كان لى تجربة منذ 16 سنة مع حالة مثل حالته لفتاة كنت أقوم بتدريبها على السباحة، ولكنها سافرت إلى خارج البلاد ولم تعود مرة أخرى، لذلك لم أجد صعوبة فى تدريب محمد حيث بدأت فى استرجاع التمارين الرياضة التى قمت بتجهيزها من 16 عاما وبدأت تطبيقها على محمد وساعدنى على ذلك قوة ذكائه واستجابته السريعة، فعلى سبيل المثال عندما أضع يدى بالقرب من إذنه يعرف أنى مدرب السباحة، وعندما يضع هو يده على بطنه أعرف أنه يريد الخروج من المياه ودخول الحمام، وعندما أقوم بالنفخ فى كف يده يعرف أننى اريده أن يقوم بتنظيم نفسه فى أثناء السباحة وهكذا يتم التعامل مع محمد.
حالة نادرة
ويضيف الكابتن طه: فى بداية تدريبى لمحمد كنت حريصا على أن يعرف المساحات والعمق جيد، وكنت اجعله يرتدى «كتافات» وأقوم أنا بتحريك رجليه من الخلف حتى يسبح بمفره ويتعرف على مساحات حمام السباحة طولا وعرضا، وبمرور الوقت تخليت عن «الكتافات» وتركته يسبح بمفرده معتمدا على وجودى بجواره فى الماء فقط، والآن محمد يستطيع السباحة لمسافة 50 «متر حرة» وظهر وصدر، هذا غير حصوله على بطولتين للجمهورية .. ومحمد حقا حالة نادرة فى مصر والوطن العربى كله، ولا يوجد مثيل له غير حالتين فقط فى العالم، واحدة فى انجلترا والأخرى فى البرازيل، وأقوم حاليا بإعداده للعب معهما فى الأولمبياد الخاص المقبل فى 2016 بالبرازيل. وتختتم والدة محمد كلامها قائلة: منذ شهر تقريبا قمت بعمل اختبار ذكاء لمحمد وكانت نتيجته 80% وهو فاقد لكل هذه الحواس، ولو كان محمد مكتمل الحواس لوصل ذكاؤه إلى أكثر من 110 % مثلما قال الأطباء .. لذلك أطالب الدولة بتخصيص مدرسة للتعامل مع الأطفال ذوى الإعاقة المتعددة مثل حالة ابنى والأقل منها لأن مثل هذه المدارس غير موجودة فى مصر نهائيا.
المصدر: أحمد عامر عبدالله / جريدة: الأهرام