يكثف العلماء جهودهم في استخدام مختلف الأصوات لمساعدة فاقدي البصر على تكوين صور في رؤوسهم عن المحسوسات والأجسام المختلفة، بشكل يساعدهم على إنجاز النشاطات اليومية، كالتقاط أشياء معينة من على سطح المكتب، أو حتى القراءة، وذلك على نحو يتجاوز ما يتحقق من إجراء الجراحات المعقدة.
وذكرت صحيفة «أوبزرفر» البريطانية، في تقرير حديث لها حول هذا الموضوع، أن فريقاً مشتركاً من علماء النفس والكمبيوتر يجرون تجارب حالياً في جامعة «باث» في بريطانيا على مشروع بحث يتعلق بتحليل كيفية عمل الدماغ، وإمكانية استخدام بدائل حسية لمساعدة المكفوفين وضعاف البصر لتجاوز التحديات التي يلاقونها، واستعادة إمكانية «الرؤية».
تقنيات حديثة
وطور الدكتور بيتر ميجر، العالم في مختبرات أبحاث فيليبس في هولندا، جهازاً أطلق عليه اسم «فويس»، يعمل من خلال تحويل الصور من الكاميرا الموجودة في السماعات إلى أصوات متنوعة بشكل كبير، كصوت العصافير وصفارات الإنذار، وإرسالها إلى المستخدم.
ويشار إلى أن هذه التكنولوجيا موجودة في الأسواق العالمية منذ أكثر من عقد من الزمن، وتم تحميل التطبيقات الإلكترونية الخاصة بتشغيل الجهاز حتى الآن أكثر من 100 ألف مرة.
وقال الباحثون في جامعة «باث»: إن مدى استفادة مستخدمي هذا الجهاز يتجاوز غالباً مستوى الأداء البصري المتحقق من خلال استخدام التقنيات المعقدة لاستعادة الرؤية، أو زراعة الخلايا الجذعية واستبدال الشبكية، وذلك لأنه حتى بعد إجراء العمليات الجراحية، فإن المكفوفين يظلون يعانون من ضعف البصر، ويكونون غير قادرين على إدراك أكثر من الصور المجردة.
وأوضح العلماء أن مستخدمي هذه السماعات قدموا وصفاً للصور المتكونة في أذهانهم طابق إلى حد كبير حقيقة الأشياء في الواقع. وأجرى كل من ميشال برولكس الأستاذ المشارك في قسم علم النفس بجامعة «باث» وزميله ديف براون تجارب عدة على هذه التقنية.
تجارب عملية
وتحدث برولكس عن تجربة رجل في الستينيات من عمره، ولد فاقداً للبصر، قائلاً: إنه اعتقد أن فكرة التقنية هذه بأسرها عبارة عن طرفة لا أكثر، غير أنه استطاع بعد ساعة من التدريب المشي متجنباً العقبات، ومتمكناً من التقاط مختلف الأشياء، وبدت عليه الدهشة من كم الأشياء التي أمكنه التقاطها.
وتمسح الكاميرا الموجودة في أنظمة سماعات «فويس» مختلف الصور، وتحولها عبر برامج موجودة على الجهاز إلى موسيقى تعبر عن المواد التي تصورها، بمعدل صوت واحدة في الثانية. ويتم إدخال البيانات البصرية الملتقطة للأشياء عبر الأذن اليمنى واليسرى للمرء.
يختلف تردد الأصوات الصادر عن الأجسام، فقد يكون الصوت عالياً أو منخفضاً، ليدل على قرب الجسم أو بعده، أو على مستوى ارتفاعه أو انخفاضه. ويعول العلماء على أن يألف المُستخدم الأصوات الصادرة عن الأجسام المصورة، على نحو يمكنه من تمييز شكل مختلف الأجسام. ويخدم الجهاز الأشخاص الذين يولدون فاقدين للبصر، أو أولئك الذين أصبحوا كذلك في مراحل لاحقة من حياتهم.
وقد تخدم هذه التكنولوجيا ملايين الأشخاص على امتداد العالم، بينما توفر تقنيات الخلايا الجذعية الإحساس المادي للبصر، بعد بضعة أشهر من إجراء العملية الجراحية المكلفة، والتي لا تأتي بالنتائج المرجوة دائماً. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 40 مليون شخص في العالم يصنفون بأنهم فاقدون للبصر، بينما يصنف 250 مليوناً آخرين بأنهم يعانون من شكل من أشكال ضعف البصر.
ويمكن لهذه التقنية أيضاً تصوير الكلمات الموجودة على الورق. ومن جهته، يقول ميشال برولكس: «حتى حديثي التعلم على الجهاز يمكنهم تمييز الاختلافات بين الرموز أو الحروف الأساسية بالطريقة ذاتها التي تتم بها في حالة البصر»، وأضاف أن المرء الذي يجري عملية زرع شبكية للعين لاستعادة البصر يحصل خلال أول شهرين على مستوى رؤية بمعدل 20/800، أي يتمكن من رؤية الخطوط العريضة للأشياء التي تكون أمامه مباشرة.
وللمقارنة فإن مستوى الرؤية عند المبصر الذي يعاني قصر النظر، ويجري عملية جراحية يستغني بها عن النظارات يكون نحو 20/400، وهذا يعني أنه قد يتمكن من الرؤية بوضوح لمسافة تصل إلى قدميه، وفي هذا السياق قال برولكس: «وجدنا بعد أسبوع فقط من التدريب الأولي أن الأشخاص حصلوا على مستوى رؤية وصل إلى 20/250». ويأمل العلماء تطوير التقنية لتصبح جاهزة لطرحها في الأسواق قريباً.
تحديات كبيرة
يوضح العلماء أن هناك تحديات كبيرة تتعلق بالتوقعات، ويشيرون إلى أن كثيرين ممن فقدوا بصرهم في مرحلة معينة من حياتهم يودون استعادته في صورته السابقة، إلا أنهم يصابون بخيبة الأمل، بعد إجرائهم للعمليات الجراحية عبر استخدام تقنية الخلايا الجذعية أو زراعة شبكية العين، حيث إن النتائج غير متوقعة.
إلا أن الأمر يختلف مع تقنية «فويس»، فالتوقعات عادة ما تكون متدنية جداً، وعليه يقول ميشال برولكس، الأستاذ المشارك في قسم علم النفس بجامعة باث: «لم أر أي شخص محبطاً أو مكتئباً إلى حد كبير، بل عادة ما يفاجأ الأشخاص بفعل قدرة هذه التقنية على فعل الكثير».