فى طريقى إلى مدينة «بلبيس» بمحافظة الشرقية، لمقابلة «الفتاة والطفلة» -فى نفس الوقت – رانيا صالح المصابة بـ «متلازمة داون»، امتلأ رأسى بالكثير من الأسئلة التى لم أجد لها إجابات طوال المسافة التى استغرقت أكثر من ساعتين، فكيف لفتاة تقترب من 19 عاما تعيش فى عالم طفولى بعقل لا يتجاوز 3 سنوات؟،
وكيف استطاعت ان تهزم الجميع من الأصحاء فى مسابقة المبرمج الصغير وتحصل على الجائزة 3 سنوات متتالية؟ وكيف حصلت على شهادة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب، وأخيرا، كيف سأتحاور معها .. كل ذلك وأكثر أجاب عنه عم صالح والد رانيا فى السطور التالية.
يقول عم صالح والد رانيا: رزقنى الله بخمسة أطفال يتمتعون بكامل الصحة، وبعد ذلك ولدت رانيا، وعندما أكملت العامين اكتشفت أنها مصابة «بمتلازمة داون « وتصنف ضمن الأطفال «المنغولين» حيث ان عمرها الزمنى الآن 19 عاما، ولكن عمرها العقلى 3 سنوات وثمانية أشهر.
ويضيف: بدأت حكاية رانيا مع الكمبيوتر منذ أن كان عمرها 7 سنوات، عندما ذهبت معى إلى أحد مراكز الإنترنت، حيث كنت أقوم بعمل وصلات الكهرباء بحكم عملى ككهربائى، بعد ذلك أصبحت تذهب بمفردها بشكل متكرر ووصل الأمر إلى أنها تستيقظ فى ساعات متأخرة من الليل وتطلب الذهاب إلى مركز الإنترنت, وذات مرة ذهبت خلفها لأرى ماذا تفعل هناك، فعرفت من صاحب المحل أنها فى البداية كانت تلعب بعض الألعاب، ثم أصبحت لا تجلس إلا على جهاز معين يوجد عليه برنامج»فوتوشوب»، فقررت أن أشترى لها كمبيوتر فى المنزل خوفا عليها من الذهاب إلى محل الإنترنت بمفردها، وبالفعل فرحت رانيا بالكمبيوتر وبدأت تقضى أمامه ساعات طويلة تبتكر صورا وأشكالا على برنامج الفوتوشوب.
التربية الفكرية.. ليس بها تعليم
ويكمل عم صالح باقى جوانب حكاية ابنته ويقول: بعد ذلك التحقت رانيا بالمدرسة الفكرية، واكتشفت أنهم فقط يدرسون سلوكيات ولا توجد أى مناهج، فقدمت التماسا إلى مديرية التربية والتعليم وتم تحويلها إلى مدرسة ثانوية حتى تدرس مناهج الحاسب الآلى فقط لتنمية موهبتها فى تصميم البرامج إلى جانب وجودها رسميا فى مدرسة التربية الفكرية ولكن المدرسين رفضوا أن يتولوا مهمة تعليمها بحجة أنهم لا يعرفون كيف يتعاملون معها، ولذلك أصبحت أذهب معها يوميا إلى المدرسة لكى أتعلم أنا من المدرسين ثم أعلمها وأكون الوسيط بينهم وبين ابنتى، ولكنى شعرت أن ذلك غير كافى، فبدأت أقتطع من قوت يومى وأنا العامل البسيط حتى أحصل على كورسات وأقوم بتعليمها لابنتى، وتعلمت العديد من البرامج، لذلك قرر وكيل وزارة التربية والتعليم فى الشرقية وقتها أن تقوم رانيا بتدريب الأطفال ذوى الإعاقة فى مركز الاستكشاف العلمى بالزقازيق، ولكن الميزانية لم تسمح بتوفير حافز مادى لها وابتكر المسئولون حلا لهذه المشكلة وهو تجميع مبلغ مالى بشكل ودى ليكون حافز لرانيا ولكنى رفضت هذا التسول.
برامج لرياض الأطفال
بعد ذلك قامت رانيا بتصميم أربعة برامج تعليمية لرياض الأطفال، وأيضا كانت تجمع أطفال الجيران الأسوياء وتدربهم على تعلم الكمبيوتر، وهنا ذاعت شهرة رانيا كأول طفلة مصابة بمتلازمة داون تجيد كل هذه المهارات، وأصبح يتم دعوتها للعديد من المؤتمرات منها مؤتمر صناعة البرمجيات التى تنظمه وزارة التربية والتعليم بالاشتراك مع وزارة الاتصالات وذلك منذ عام 2007، كما شاركت فى مؤتمر منظمة الصحة العلمية لتبادل الخبرات الدولية لذوى الإعاقة بالإضافة إلى معرض القاهرة الدولى لكتاب الطفل, ولقد كرمها رئيس الوزراء فى مدينة مبارك عام 2008 وفازت فى مسابقة المبرمج الصغير 3 سنوات متتالية من 2007 حتى 2009، وأيضا فازت فى مسابقة المبدع الصغير فى النشر الإلكترونى 2010 وكرمها محافظ الشرقية الأسبق يحيى عبد المجيد.
شهادة الـ Icdl
منذ أربع سنوات قررت رانيا التقدم للحصول على شهادة الـ icdl وتقدمت 3 مرات وفشلت، ولكن نظرا لإصرارها وتحديها استطاعت أن تحصل عليها فى المرة الرابعة خلال عام2014، وبذلك أصبحت أول مصابة بمتلازمة داون تحصل على هذه الشهادة الدولية، وترتب على ذلك قيام وزارة الاتصالات بانتاج فيلم وثائقى عنها وتصويرها فيديو فى القرية الذكية وهى تصمم بعض البرامج التعليمية وذلك لعرضه فى مؤتمر بالهند, وأيضا قام وزير التربية والتعليم الدكتور محمود أبو النصر بتكريمها ومنحها شهادة تقدير وجهاز تابلت وأثنى على قدراتها وفوزها لمدة 3 سنوات متتالية فى مسابقة المبرمج الصغير، ووعدنى بأنه سوف يبحث عن المكان الملائم لها الذى تستطيع من خلاله استكمال دراستها بما يحافظ على قدرتها ومواهبها وينميها.. وحتى هذه اللحظة لم يتحقق وعد الوزير والمفارقة أنه يوجد طالب يدعى محمود وائل ويصنف باعتباره أذكى طفل فى العالم تم تكريمه وأمر الوزير بإلحاق محمود وائل بمدرسة العباقرة ولا أجد معنى لهذه التفرقة بين هذا الطالب وابنتى التى تحدت ظروفها ووصلت إلى هذا المستوى الذى جعلها تتفوق فى المسابقات على الأسوياء.
حلم أب
وفى نهاية الحوار يقول عم صالح: كل ما تحلم به رانيا هو منحة دراسية لتكمل دراسة الكمبيوتر الذى وهبها الله قدرة التعامل معه فى أى جامعة مصرية أو معهد من معاهد القوات المسلحة خاصة وأن هذا هو عامها الأخير فى مدرسة التربية الفكرية، وهذا ليس بالأمر العسير على المسئولين لذلك أتوجه بالنداء إلى السيد رئيس الجمهورية لتحقيق حلم رانيا أو يتم تعيينها مدرسة فى مدارس التربية الفكرية وهى أقدر من يجيد التعامل مع أقرانها هذا كل ما أتمناه حتى أطمئن عليها بعد أن قاربت على السبعين من العمر، أليس من حق ابنتى أن تتعلم وتعيش وتحلم طالما تملك من العزم والإرادة ما يكفل لها ذلك.