أحيانا تحتاج بعض المواهب لبعض الظروف لتتفجر ويتم اكتشافها، وكل موهبة من تلك المواهب تحمل لنا بين طياتها قصة مختلفة، ومن تلك القصص قصة مأمون غازي والبالغ من العمر 34 سنة والحاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، متزوج ولديه طفلتان، بدأت قصته مع الإعاقة منذ ست سنوات، التقت به “اليوم” ليروي لنا قصته، يقول مأمون: أصبت بالشلل النصفي في عام 2008م وكان ذلك بسبب ورم سرطاني على الحبل الشوكي، في بداية الأمر كان ذلك صدمة مفجعة بالنسبة لي حيث كان التحول المفاجئ بحياتي وحياة أسرتي وكان بمثابة الكارثة، حيث إنني لا أعرف كيفية التعامل مع الوضع الجديد ولم أختلط بمجتمع ذوي الإعاقة من قبل، ولا يوجد بمحيطي الاجتماعي أحد من فئة المعاقين.
بعد سنة من إصابتي ومعاناتي مع الأوهام والأحلام أدركت أنه يجب أن أتأقلم مع وضعي الجديد، وطبعا بوجود عائلة مكونة من زوجة وطفلتين، وبعد التفكير والدافع القوي المعنوي الذي تلقيته من والديَّ وزوجتي وإصرار زوجتي على التحرك قررت أن أسافر لتلقي العلاج في ألمانيا وكان العلاج عبارة عن زراعة الخلايا الجذعية، وأضاف مأمون: كانت قصتي مع هذا العلاج حيث إنني يوميا كنت أبحث عن علاج، واسأل الأشخاص في كل مكان وكانت معرفتي بالكمبيوتر والإنترنت حينها ضعيفة جدا، وبعد البحث وجدت مركزا في ألمانيا في “فراسلته” وبعد ثلاثة أشهر تقريبا وصلني الرد بالموافقة للعلاج، وأصبحت أذهب للأطباء وأستشيرهم ولكن لم ينصحني أحد منهم بالعلاج وقالوا لي: إنني سوف أبقى هكذا طوال حياتي لا إحساس ولا حركة؛ فلجأت لسؤال رب العباد بصلاة الاستخارة ثلاث مرات وفي كل مرة أرى خيرا، وبعدها كل أمور السفر قد تيسرت فتوكلت على الله وسافرت. مون: عند وصولي المركز في ألمانيا رفضوا علاجي حيث إنهم لم يلاحظوا من خلال قراءتهم التقرير أن لدي ورما سرطانيا، ولكني أصررت على تلقي العلاج، وبعدها وقعت على إقرار خطي بأنني أنا المسئول عن نتائج هذا القرار، وتوكلت على الله وأتممت العملية ورجعت بعدها للمملكة، ومع العلاج الطبيعي بعد شهرين من الزراعة تقريبا بدأت أول حركة بإصبع رجلي (الإبهام) فقط حركة خفيفة. ولكن بالتمارين والعلاج الطبيعي المتواصل بدأ الإحساس ينمو تدريجيا ثم الحركة بدأت تزداد بالقوة، وبعد أربعة أشهر تقريبا سافرت مرة أخرى لألمانيا للعلاج الطبيعي، وكان مكلفا جداً حيث لم أستطع شراء إلا أسبوعا واحدا فقط وبتكلفة 5000 يورو، أي ما يعادل 27 ألف ريال وكانت طريقتهم في العلاج بسيطة جدا ولكن مفعولها قوي جدا وهو عبارة عن تخاطب بين الدماغ والمخيخ والفم.
وبعد هذا العلاج بدأت قصة جديدة لمأمون وانفتحت له آفاق لم يكن يتوقعها ولم يكن يحلم بها في يوم من الأيام، حدثنا عنها قائلا: بعد تحسني مع هذا العلاج قررت أن أساعد كل المعاقين وأصبحت أروج لهذا العلاج وكان هدفي هو خدمة إخواني من ذوي الإعاقة، فكان هناك استبيان تتم تعبئته من خلال موقع المركز على الإنترنت لكل من يرغب بالعلاج، وكان الأشخاص الذين عرفوا المركز من خلالي يكتبون اسمي بخانة كيف سمعت عن المركز؟، فتواصل المركز معي وتمت دعوتي لألمانيا وقدموا لي عرضا بأن أُصبح مندوبا لهم بالمملكة وهكذا. ومع تلقي طلبات العلاج أصبحت أعرف الكثير عن الحالات المرضية فقررت تعلم أسرار الخلايا الجذعية ومعرفة معلومات أكثر عنها، فبدأت بالشبكة العنكبوتية وراسلت المركز بأنني أريد أن أتعلم فأرسلوا لي عددا من التقارير والأبحاث، وبدأت التمعن بها واستيعابها إلى أن حصلت على المركز الأول على كل مندوبي المركز.
وبعد حصوله على المركز الأول لم يتوقف طموح مأمون إلى هذا الحد، بل استمر بالبحث والمثابرة بكرسيه المتحرك من مكان لآخر، وفي محطة أخرى من محطات حياته يقول مأمون: لقد قمت بدراسة بقية الأمراض حيث تعلمت من بروفيسور في لبنان معلومات أكثر عن ماهية الخلايا الجذعية، وعلمت أنها تعالج أكثر من 299 مرضا من الأمراض المستعصية التي ليس لها علاج غير المسكنات، بعدها قدمت بحثي للمركز ففزت بلقب مستشار تثقيفي للعلاج بزراعة الخلايا الجذعية، وبعد أن أتممت شوطا كبيرا في مجال الخلايا الجذعية اتجهت لمعرفة سر هذا الجهاز الصغير الذي ينشط خلايا الدماغ وينعش خلايا الأعضاء المصابة الداخلية، وأيضا بدأت باكتشاف أنه يساعد في علاج السكري وزيادة التركيز وأشياء أخرى مثل إنقاص الوزن كل هذا عن طريق الدماغ، وبعد ذلك أرسلت تقريرا بذلك فكانت صدمة للبروفيسور برندسون ألماني الجنسية وهو مخترع الجهاز وطلب مني الحضور بأسرع وقت لألمانيا لمعرفة كيفية هذه الاكتشافات التي استنتجتها بفضل الله.
وعن مشاركاته بالمعارض والملتقيات يقول كانت أول مشاركة لي في ملتقى «رغم الإعاقة نبدع»، وعن أهمية مثل هذه المعارض للمعاقين قال: لها دور كبير في التوعية وتساهم بالاطلاع على الإبداعات واكتشاف المواهب المدفونة عند أي شخص وإبرازها للمجتمع كما أنها تحمل رسالة أن الإعاقة ليست عائقا أبدا متى ما وجدت الإرادة.