تعلمنا في بداية الدراسات العليا لتخصص التربية الخاصة أنّ أهم عنصر يجب علينا الإحاطة به وأخذه بالاعتبار عند التعامل مع الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة أنّ كل حالة منهم خاصة بذاتها بحيث يتم التعامل معها انطلاقاً من مواطن القوة فيها ووصولاً إلى مواطن الضعف بغية علاجها، وأنّ ذلك لا يمكن أن يكون إلا من خلال وضع خطة تربوية فردية تحتاج إليها العديد من الحالات المتقدمة في مستوى الإعاقة، والتي تشتمل على مجموعة من الأهداف التي يضعها فريق العمل المكوّن من الأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي والمعلم علاوة على ولي الأمر باعتبارهم القائمين على رعاية تلك الحالة بشكل مباشر.
وتعتبر الخطة الفردية حجر الأساس الذي يعتمد عليه رصد تطوّر الحالة ومدى تحسن مستوى الضعف فيها ومتابعتها من خلال تحديد أهداف قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى، والسعي إلى تحقيقها لتحويل المعاق من فرد اعتمادي إلى فرد مستقل بذاته قدر الإمكان ودمجه في المجتمع في نهاية الأمر، إلّا أنّ الواقع لدينا في الكويت وبمدارس التربية الخاصة بالتحديد يختلف عمّا هو معمول به !!، ويختلف عمّا تنتهجه العديد من الدول المتقدّمة في تعاملها مع ذوي الاحتياجات الخاصة !، فبعد عدة زيارات لمجموعة من الدول الرائدة في ذلك مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وحتى بعض الدول العربية والخليجية مثل مملكة البحرين والمملكة الأردنية، والتي تعتمد البرامج فيها بداية على التشخيص ودراسة حالة الفرد اجتماعياً ونفسياً وجسمياً، بالإضافة إلى عدد من الزيارات المنزلية، وبعد جمع المعلومات وفق أسس علمية صحيحة أثبتت فاعليتها في تلك الدول، يتم وضع الخطة التربوية والتعليمية الفردية المقترحة ضمن برنامج محدد للتعامل مع تلك الحالة.
أمّا التربية الخاصة لدينا وبالرغم من توفير الدولة للعديد من التسهيلات وتسخير الطاقات للأخذ بيد المعاق، إلّا أنّ الخطة الفردية لا نجد لها مكان في تلك الجهود المبذولة، وتكاد تكون غائبة تماماً عن التطبيق في مدارس التربية الخاصة.
كما أنّ فريق العمل يكاد يكون معدوماً، فالمعلّم يُلزم بتدريس منهج جماعي موّحد لجميع طلابه رغم تفاوتهم في مستوى الإعاقة خاصة الفكرية منها، ولا يتم إطلاعه على بعض المعلومات المهمة في ملف الطالب والتعّرف على حالته الاجتماعية ليقف على متطلباته ويراعي وضعه الاجتماعي، ويختص بذلك الاخصائي الاجتماعي والنفسي فقط، أمّابالنسبة لأولياء الأمور، فتغيب عنهم أي معلومات حول أهمية دورهم في وضع تلك الخطة الفردية، والتي يتوجّب تقديم دورات خاصة لهم بداية كل عام دراسي لإطلاعهم على أهميتها وإيضاح دورهم فيها.
فكل من هؤلاء يعمل بشكل فردي، وبمعزل عن الآخر، حتى أنّ الوضع أصبح لا يختلف عمّا هو قائم في مدارس التعليم العام للعاديين من الأفراد ذوي المستويات المتقاربة في القدرات الجسمية والعقلية.
وكمتخصص في التربية الخاصة، فإنني لأشفق على حال عدد كبير من أبنائنا ذوي الاحتياجات الخاصة الذين أصبحوا ضحية لنظام تعليمي أشبه بالجمود، ولا يزيد دوره على نظرة العطف عليهم وتوفير احتياجاتهم الجسمية والمادية فقط دون النظر إلى احتياجاتهم الفكرية والنفسية بشكل كامل كأساس لرعايتهم، وإبراز طاقاتهم الكامنة التي حباهم بها العزيز القدير، والتي ينتظرون ممّن يقومون برعايتهم وتربيتهم إخراجها من حيّز الكمون إلى حيّز الوجود، ليصبحوا بعد ذلك قادرين على رعاية أنفسهم، وتنمو لديهم الثقة بالنفس ويزيد بها تقديرهم لذاتهم، ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلّا بتطبيق الخطة التربوية الفردية اللازمة لكل حالة ضمن إطار فريق العمل.
د. خلف الفضلي
معلّم تربية خاصة