الأحلام لا تركن لنهاية، ولا يقف في وجهها مستحيل، فقط حدّد هدفك واسعَ إليه ولا تيأس، ولا تنظر للآخرين ولا تسمع ماذا يقولون، بل افعل ما تراه واجباً وتجده صواباً. ذلك هو لسان حال من سبقونا في تجارب الحياة، ونهج آخرين ذوي إرادة صلبة كما الصخر، لا تهاب الصعاب، ولا تقيم لها وزناً، أناس إذا اقتربت منهم، وعايشت معاناتهم التي تحولت لاحقاً إلى قصص نجاح مذهلة، تعرف أنهم قدوة حقيقية، فما بالنا إذا كانوا أشخاصاً معاقين، حركياً أو بصرياً، بالتأكيد ليست إعاقة إرادة، بل هي قوة التحمل.
قصة نجوى
نجوى الشامسي؛ الفتاة التي أحالت إعاقتها البصرية، إلى مصباح ينير لها طريق التفوق والتميز علمياً وحياتياً، تروي قصتها وعلى محياها ابتسامة تملأ الأفق رضاً وسعادة يحسدها عليها المبصرون، ابتسامة تخفي وراءها عبرة وعظة وأملاً لمن يسعى للتميز، بشرط أن يؤمن بقدراته ويطوعها حسب ظروفه. عادت بالذاكرة إلى الوراء، وقت أصيبت بمرض جعل بصرها يتلاشى شيئاً فشيئاً، وهي الفتاة الصغيرة صاحبة الـ13 ربيعاً، حينها توقف الزمن، وأوشكت أحلام نجوى الصغيرة أن تتنحى جانباً، وقد بدأت لتوها تمسك خيوط آمالها، لتبدأ مراحل المعاناة والألم، عبر رحلة علاج لم تثمر جديداً، غادرت بآلامها لتبحث عمن يعيد لها بارقة أمل في الإبصار.. سافرت بعيداً وكثيراً، وعادت بلا نتيجة، إلا من قوة إيمانها ورضاها بالمقسوم، إنها إرادة الله.
جمعية الإمارات
تأملت نجوى حالها، وسنوات عمرها تتسربل منها دونما فائدة، لكنها الواثقة من حالها وإمكاناتها، فلماذا تراوح مكانها، تسمع كلمات الشفقة فقط، وترضى بها.. ذهبت تسأل عمن هم في مثل حالها، لتعيش تجاربهم وتشعر بآلامهم، ويشعرون بها، ولما وجدت ضالتها في جمعية الإمارات للمعاقين، ولمست بأناملها الغضة أحلام زملائها تتحقق في دراسة تستكمل، ودكتوراه تنجز عبر «برايل»، وتعرفت إلى رياضي يحرز مركزاً عالمياً، أمام هذا الزخم، لا وقت للضياع بعد الآن. هكذا قالت نجوى الشامسي.
رجعت تلملم أوراقها وتعيد ترتيبها، فها هي تحصل على الثانوية بمجموع، قليل من الأسوياء يحصلون عليه، تعدى الـ95% بعد أن التحقت ببرامج تعليم الكبار، من خلال جمعية الاتحاد النسائية في الشارقة. تلك البداية ومازال أمامها الكثير لتنجزه، تتعلم سريعاً الكتابة بطريقة برايل، ثم تلتحق بمركز «تمكين» الذي يهتم بإعطاء ذوي الإعاقة البصرية، دورات قوية في الحاسوب واللغة الإنجليزية.
تدريجياً بدأت تشعر بذاتها، وهي تنسج عالمها الخاص الذي لا ينافسها فيه غير أصحاب العزيمة والإرادة، فقررت الالتحاق بالجامعة، وتمكنت من الحصول على منحة من هيئة كهرباء ومياه الشارقة، لتكمل دراساتها في الجامعة، تحديداً في كلية الاتصال، وبقسم العلاقات العامة.
مرحلة جديدة تغازلها، يا تُرى ما الذي يخبئه القدر لها مع هذا العالم الجديد الذي تجهله، لكن ما الذي تخشاه، وهي المتمرسة على المواجهة! وتمضي الأيام رحيمة بها، حانية عليها، لتحصل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف في كل عام دراسي، حتى باتت على مقربة من التخرج بعد شهرين من الآن، لا ينافسها في ما تحصده أحد، حتى الأسوياء تجاوزتهم بعيداً.
محمد الغفلي
تأبى نجوى أن تكون في الصدارة علمياً فقط، وإنما حياتياً أيضاً، وتلك قصة أخرى، يشاركها فيها رفيق دربها، زوجها محمد الغفلي الذي تعرفت إليه حينما تعثرت خطواتها أول مرة، وهي داخل جمعية الإمارات للمعاقين بصرياً، فتوقفت معه وهو الذي يشاركها إعاقتها، ليصيرا روحاً واحدة، وتبدأ رحلة عطاء أخرى توثقها علاقة زواج، كانت مثالاً في التحدي وقهر الظروف المحيطة بهما، إذ إن عائلتيهما لم تتخيلا يوماً أن تنجح هذه العلاقة، خصوصاً في ظل احتياج كليهما لمن يعاونهما في تدبير شؤون الحياة التي لا تنتهي، ولكن حياتهما سارت في نسق جميل وفريد، يفاجأ الجميع يوماً بعد يوم بأن الإرادة سبقت كل شيء.
نظارات سوداء
جسدت قصة زواج نجوى الشامسي، مثالاً قوياً وقراراً معبراً عن العزيمة والإصرار، إذ إن زوجها محمد الغفلي، هو الصحافي والكاتب والممثل المسرحي، ومؤلف كتاب «للحياة مذاق آخر.. سيرة الانتصار على الذات»، الذي أصدره بإهداء خصّ به زوجته، بكلمات قليلة العدد عظيمة المعنى.. (إلى نجوى.. دعوة للدخول إلى عالمنا من دون نظارات سوداء).