تظل نظرة المجتمع تجاه زواج المعاق ذات آفاق محدودة، ويخشى الكثيرون من الاقتران بمعاق او معاقة تخوفا من نظرة الآخرين، وبعض اولياء امور المعاقين يتخوفون من المسؤولية والمشاكل التي قد تلحق نتيجة هذه الزيجة، فيُحرم الكثيرون من فئة ذوي الاعاقة من حقهم الشرعي واكمال نصف دينهم بالزواج وانجاب الابناء. ويسعى البعض من المختصين المعنيين بشؤون ذوي الاعاقة بتغيير نظرة المجتمع وفتح ملف زواج المعاقين لانه حق شرعي وقانون كوني كي يندمجوا في الحياة كالأسوياء.
التقينا بعض المختصين والمعنيين بهذه القضية وبحالات واقعية من فئة ذوي الاعاقة ليرووا تجربتهم.
ترى رحاب بورسلي رئيسة مجلس ادارة جمعية اولياء امور المعاقين، ان الهدف من الزواج هو الاستقرار، وهو مصلحة اجتماعية مشروعة للطرفين، ويحق للمعلقين بالاعاقة الحركية الزواج وممارسة حياتهم بشكل طبيعي لأن الاعاقة واضحة لكلا الطرفين، فالمعاق ليست لديه مشكلة ذهنية بل قادر على تحمل المسؤولية وتحديد شريكة الحياة.
وعن الاعاقة الذهنية تقول:
– كثير من اولياء الامور يتخوفون من زواج ابنائهم من ذوي الاعاقة الذهنية، والفتوى تقول ان الذهني لا يقترن بذهني ولكن يحق له الزواج بمن هو كامل الاهلية، وهذا يحمي المجتمع من ازدياد اعداد المعاقين وفشل الاسرة الجديدة، وهناك حالات كثيرة ترضى الزواج بمعاق وهي على دراية بابعاد الموضوع والعكس صحيح، فهناك رجال يقبلون الزواج بمن اقل منهم في القدرات الذهنية.
وتضيف:
– ولا ننكر ان بعض الزيجات فشلت ومنظورة في المحاكم الى الآن، وتنصح اولياء الامور بمعرفة قدرات اولادهم وما يتناسب معها وان يكون الزواج في صورته وشكله الصحيحين.
وتذكر بورسلي ان الجانب الطبي اجباري في بعض الاعاقات قبل الزواج، لكنه نتيجته غير ملزمة للطرفين، وهو يحدد ان كان المعاق حاملا للمرض ام لا.
الزواج اختياري
تقول الهام الفارس (ام لمعاقين) وسكرتيرة تحرير جريدة الامل الالكترونية المعنية بشؤون المعاقين:
– الاعاقة الحركية تعوق عن العمل وليس عن الحياة، ومسألة الزواج تعد شخصية لايمكن اجبار او فرض رأي على احد.
وتستنكر الفارسي نقص الثقافة عند المعاق وعدم مواكبة المجتمعات العربية لتطور العالم من حولنا، فمعظم المثقفين العرب هم من لديهم «الاعاقة الفكرية»، فنرى الكثير من امثال اجنبية ممن لا يملكون ارجلا ولكنهم متزوجون ويحملون اولادهم، وقرأت عن خبر اصابة بنت باعاقة حركية شديدة ولا يوجد شيء سليم فيها الا مخها وزوجها طبيعي ولديهما ولد، ولابد من ان يتفهم المجتمع ان الكرسي الذي يجلس عليه المعاق لا يوقف حياة الشاب، ولابد من ان نعاونه على فتح جميع ابواب الحياة امامه ليمارس حياته بشكل طبيعي، فهو على دراية ووعي بتصرفاته ويختار زوجته التي تفهمه ويكمل معها مسيرة حياته.
علاج أحيانا
ويؤيد فواز الحصبان، ناشط في حقوق المعاقين، رأي سابقه في ان الزواج قانون كوني من حق الجميع، وهو امر ضروري في الحياة وليس بثانوي، حتى انه يعد من طرق العلاج لبعض حالات الاعاقات الذهنية حيث تزيد الانفعالات وتنشط مستوى التأملات والتخيلات ويحدث جموح للرغبة الجنسية، وهذا يساهم في اندماجه في المجتمع ويخفف من سلوكه العدواني.
وعن نظرة المجتمع قال انها تتباين والحاجز الاساسي هو الاسرة، فكثير من الاسر تمنع اولادها من الزواج جهلا وعدم معرفة، فهناك اعاقات غير وراثية كاعاقات الحوادث او امراض مكتسبة والتطور العلمي في الهندسة الوراثية ساعد على المعرفة قبل الزواج وتمكنهم من انجاب اولاد اصحاء.
ويضيف:
– بدأ الوعي الاجتماعي يتدارك، لكن بشكل بطيء والدولة تقدم الدعمين المالي والقانوني اللذين يكفلان حياة كريمة لهؤلاء المعاقين ولمن يتزوج بمعاق.
ويذكر الحصبان انه تبنى لجنة لزواج المعاقين التي حوت اكثر من 200 ملف لحالات اعاقية مختلفة ترغب في الزواج، مما اكد ادراك اولياء الامور لاهمية زواج المعاق لكن الدعم المادي لم يكف لاستمرار اللجنة.
الحياة إرادة
من وجهة نظر احمد الصالح (معاق حركيا) ان اعاقته لم تمنعه من اكمال نصف دينه بالزواج وانجاب اولاد ويقول:
– اعاقتي كانت نتيجة حادث تصادم سيارات سببت لي اعاقة حركية استخدمت على اثرها الكرسي المتحرك، وشعرت بالاحباط لفترة من الزمن ولكن اهلي وزوجتي (بنت خالي) ساعدوني على تخطي هذه المرحلة وتزوجت وانجبت ولدين وبنتا في حالة صحية ممتازة، واستشعرت بان الحياة ارادة ولابد من مقاومة الشعور بالاحباط والهزيمة والتحلي بالشجاعة والاقدام على مصائب الحياة ومواجهتها للاستمتاع بها، فان تملك اليأس منك تسوّد الدنيا بوجهك وتمر الدقيقة كأنها ايام مما يصعب عليك التعايش مع الامر الواقع.
تجربة ناجحة
وتصف هناء السعيد حياتها مع زوجها المعاق وتقول:
-تزوجت منذ سنة تقريبا بانسان مصاب بشلل نصفي مقعد على الكرسي المتحرك لا يستطيع السير، لكنه انسان رائع بمعنى الكلمة وحياتي معه طبيعية، في بداية الامر كنت متخوفة من فكرة الزواج بمعاق لكن بعد التجربة ارى ان حياتي اسعد بكثير من صديقاتي المتزوجات باصحاء، واؤيد هذه الزيجة فحياتنا معا مليئة بالدفء والسعادة والاستقرار. فلا ينقصني اي شيء معه، والكرسي الذي يجلس عليه لا يمنعنا من التمتع بحياتنا الطبيعية والتنزه والسفر، والهدف من الزواج هو الاقتران بشخص ترتاح معه وتحبه.
العنزي: الإعلام شوّه صورة المعاق
يلوم عبدالكريم العنزي (سفير المعاقين) دور الاعلام في تكوين الصورة الذهنية لذوي الاعاقة، فالحياة ما هي الا صورة واي شيء يترك انطباعا على هيئة صورة في الذاكرة، والاعلام ساعد على تشويه وتدمير قضايا المعاقين وحصرهم في حالة خاصة سواء كان بقصد او من دون قصد لكن الاخير له النصيب الاكبر. ويرى ان الحل الصحيح هو كسر التخصيص لدمج هذه الفئة مع المجتمع بعيدا عن الحكر وتخصيص برنامج تلفزيوني او صفحة في جريدة اضافة الى صيغة المبالغة ظنا منهم ان ذلك يرفع من معنويات الانسان المعاق، وفي واقع الامر ان ذلك يسبب ضررا اكبر ويشعر المعاق بانه يستعطف المشاهدين او القراء، بينما هو فرد حقيقي من افراد المجتمع من حقه ان يشعر بانه جزء منه وليس فئة معزولة تنتظر العطف.
ويطالب العنزي باعلام جديد بعيدا عن الحكر.
وعن فكرة زواج المعاقين يقول:
– الموضوع ليس بالقضية التي تناقش لان المعاق حركيا مثله مثل الانسان الطبيعي طالما قادر على ادارة شؤون الحياة لامتلاكه قواه العقلية بشكل كلي على عكس الاعاقات الذهنية المختلف عليها، فالمجتمع متحفظ عليها قليلا والشلل الرباعي ايضا. وهناك الكثير من الزيجات الناجحة والمستقرة في حياتهم.