قد يتساءل من يقوم بزيارة إدارة رعاية الأحداث والدور التابعة عن الأبناء النزلاء فيها كيف وصلوا إلى هذا المكان رغم صغر سنهم؟ انهم في عمر الزهور لم تتفتح بعد، ربما الظروف العائلية أو حب التمرد الشخصي أو رفقة السوء أو إهمال الوالدين أو تسلط الوالدين أو ابتعاد الوالدين عن الأبناء أو حب المغامرة أو رفض التقاليد والعادات أو ضعف الوازع الديني أو لفت نظر المحيطين بهم.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة وهي وجود زهور خلف أسوار الإصلاحيات.
فما قضاياهم؟ وهل منهم من يخرج ويعود ثانية لحياة طبيعية؟ وما مستقبلهم بعد الخروج؟ هل توفر لهم الدور الإصلاح اللازم الذي يعودون بعده إلى أسرهم والمجتمع أسوياء منتجين؟ وما أغرب القضايا التي سجلت؟ وكيف يتم التعامل مع الأسر وإلى أي مدى يتجاوبون مع مشرفي الدور؟ وما رأي الحدث في وصوله إلى هذا المكان؟ وهل فعلا عزم التوبة والعودة عن الطريق التي كان يسير بها؟
حالات غريبة عجيبة واجهتنا في هذا الملف التي أردات فتحه بعد صدور القانون الخاص بالأحداث وأغربها قصة طفل لم يتجاوز الـ 11 عاما قضيته ان أمه وأباه يرفضانه ويعتبرانه شؤما عليهما، لم يتركا أسلوبا من أساليب التعذيب النفسي والجسدي إلا وقاما بتطبيقه عليه، وكانت النتيجة الهروب المتكرر من المنزل لينقذ نفسه من العذاب، وكانت مبادرة احد الأقارب بوضعه داخل إحدى دور الأحداث رغم أنه ضحية كأن يطلب السرقة ليأكل!
وآخر عمره لم يتجاوز الـ 13 عاما قضايا سرقة بالجملة ومشاجرات في الشارع وهتك عرض ولا أحد يسأل عنه متروك لقدره.
البداية في الشارع ثم في احدى دور رعاية الأحداث.
والأكثر تأثيرا فتاة لم تتجاوز الـ 16 عاما أمها مطلقة ومتزوجة من آخر، ووالدها أيضا متزوج من أخرى وهي بين زوج الأم وظلمه وزوجة الأب وتسلطها وضعف الام وعدم مسؤولية الأب، ففضلت الهروب إلى دار ضيافة الفتيات في إدارة الأحداث، ورغم أنها مجاهدة وأنهت الثانوية العامة، إلا أن الأب تذكر أن له ابنة ورفض الموافقة على السماح لها بمتابعة دراستها الجامعية، والآن استطاعت الإدارة الحصول على إذن من محكمة الأحداث لمتابعة الابنة دراستها.
هذا غيض من فيض مما صادفنا في دور رعاية الأحداث المختلفة، البداية مع دار الملاحظة:
في لقاء مع رئيس دار الملاحظة بالتكليف مشاري القوز حول طبيعة عمل الدار، أوضح أن الدار تختص بالتحفظ على الأحداث المتهمين في قضايا من عمر 15 ـ 18 عاما، وأمرت النيابة بحبسهم حتى انتهاء التحقيق معهم وتحويلهم إلى المحكمة للنظر في القضايا المنسوبة لهم وحتى تحكم المحكمة في القضية عند بلوغه 18 عاما، وإذا كان الحبس الاحتياطي مستمرا يحول إلى السجن المركزي.
وعن الصعوبات التي تواجه الدار، قال القوز إن أبرز الصعوبات عدم تعاون بعض الأسر في محاولة إصلاح الابن بالإضافة إلى تأخير صدور الأحكام القضائية، وأحيانا عدم إخطار الدار بموعد الجلسات مما يتسبب في عدم حضور النزلاء لجلسات الأحكام، وبعض الأحيان عدم تعاون إدارة الخدمات في دور الرعاية الاجتماعية وإدارة الخدمات العامة في توفير احتياجات النزلاء بالدار.
هل عدد النزلاء في زيادة ام نقصان؟
٭ عدد النزلاء في دار الملاحظة غير مستقر نظرا لبعض القضايا، فقد يخرج الابن بعد يوم أو اثنين أو شهر أو سنة، لكن حاليا عدد النزلاء افضل من قبل بكثير وذلك يدل على انحسار عدد القضايا.
هل التفكك الأسري له دور في ارتكاب الحدث للجريمة، وهل تشتغل على الأسرة إلى جانب الحدث؟
٭ صحيح التفكك الأسري أساس في انحراف أي حدث بالأخص بعد الآباء عن رعاية الأبناء وعدم توجيهم ومعرفة ماذا يفعلون أو بما يفكرون ومن هم أصدقاؤهم، كما ان ضعف بعض الأمهات أمام تصرفات أبنائهم والتستر على أعمالهم أو بعدها عنهم تحت ذريعة الأب هو المسؤول فليتحمل مسؤولية إهماله لأسرته، وحجج واهية كثيرة، ولكن النتيجة واحدة مصير الأبناء في الشارع وعرضة لأي نوع من أنواع الانحراف والاستغلال في شتى أنواعه.
ماذا عن القضايا البشعة التي يتحول أبطالها إلى الدور، كيف تتعاملون معها؟
٭ القتل والمخدرات وهتك العرض هي الأبشع، ولكن جميع القضايا بشعة ونحن نتعامل مع المتهم على أنه حدث يحتاج إلى إعادة تأهيل نفسي واجتماعي ولا نطلق احكاما على احد، المحكمة هي التي تحكم نحن نتعامل مع الجميع في نفس الأسلوب بعض النظر عن التهمة.
حدثنا عن أنواع القضايا التي تأتي إلى الدار.
٭ جميع القضايا التي تحدث: قتل ـ مخدرات ـ هتك عرض ـ ضرب ـ مشاجرة.
ما نسبة قضايا المخدرات بين الأحداث؟
٭ قضايا المخدرات موجودة ولكن بنسبة قليلة.
هل من علاقة مع الأسرة وتقوم بزيارة ابنها؟
٭ تختلف أسرة إلى اسرة أخرى في زيارة أبنائها بالدار وتحافظ عليها وتطالب بزيادة عدد الزيارات، وأسر ترفض بالبداية ولكن مع إصرار الاخصائيين نعالج هذه المسألة.
هل من أحداث يدخلون الدار ويخرجون ثم يعودون مرة أخرى إليها؟
٭ أحيانا بعض الأحداث يخرجون بكفالة (مالية أو شخصية) وبعد فترة يعودون على ذمة قضايا اخرى، ومعظمها سرقة ومشاجرة، وهناك أحداث حكم عليهم بدار أخرى (التقويم والرعاية) وتم الإفراج عنهم ثم يقومون بارتكاب جريمة أو قضية جديدة فيأتون إلى دار الملاحظة.
ما أبرز السلبيات والإيجابيات التي تواجهكم في العمل؟
٭ لدينا طموح كبير في تحسين ظروف العمل في الدار، لاسيما فيما يخص توفير الحماية للجهاز الفني العامل بالدار من اخصائيين ومشرفين اجتماعيين وزيادة أعداد الأمن والحراسة والمراقبة بالإضافة الى دعم المشرفين عند حدوث أي مشكلة قد تواجههم بسبب علاقتهم المباشرة مع النزيل.
كما نأمل في أن تتم توسعة المبنى الخاص بدار الملاحظة لكي يتسع الأعداد التي تتزايد بين فترة وأخرى من الأحداث لأن المبنى الحالي لا يتسع لأعداد كبيرة، كما انه لابد من تحسين الخدمات المقدمة للنزلاء، كما نعاني من نقص أعداد الجهاز الفني من اخصائيين ومشرفين اجتماعيين منذ فترة طويلة الى جانب عدم اقرار البدلات الخاصة بالمشرفين الاجتماعيين وللعلم يوجد قرار صدر بديوان الخدمة المدنية ولم ينفذ ولم تصرف للعاملين وعلى سبيل المثال: بدل طعام ـ بدل عدوى ـ بدل خطر، فنتمنى اقرارها بالسرعة الممكنة حتى يكون العمل بدور رعاية الاحداث مرغوبا فيه ومحفزا، ولابد من تسجيل إشادة في سرعة تعاون الإدارة معنا بشكل مباشر على مدار 24 ساعة، وخصوصا عند حدوث أي طوارئ للنزلاء يتم إبلاغ المسؤولين ويقومون باتخاذ اللازم مع الجهات المختصة ومن دون أي تأخير.
ونتمنى أن تكون هناك برنامج للدورات التدريبية للموظفين والنزلاء على مدار السنة، وكان لنا لقاء مع عدد من الحالات في دار الملاحظة، حيث كان احد الابناء موقوفا على ذمة قضية هتك عرض مصمم على انه ضحية لمخادع يتاجر في عرض ولده ويفتري على العباد، ويقول انه اثناء ممارسته لعبة كرة القدم في احد الملاعب اتى شخص لا يعرفه وقال له انه هتك عرض ولده والشرطة حولته إلى محكمة الأحداث التي أمرت بتوقيفه على ذمة القضايا ولكنه واثق من براءته.
وآخر في قضية سرقة، يقول: لا ذنب لي، أهلي يقولون لي إذا أردت أن تأكل وتلبس «اسرق وجيب فلوس» نحن ليس لدينا ما نطعمك به!
وآخر يقول: كنت مع أصحابي في أحد المجمعات وحصلت مشاجرة اوصلتني الى هنا، والغريب ان جميع من قابلناهم لم نلاحظ أي إشارة ندم على ما فعلوه، ولسان حالهم يقول سنخرج من هنا.
دار الفتيات من أصعب المحطات
وحال دار رعاية الفتيات لا يختلف كثيرا عن حال دار الملاحظة إلا لناحية العدد والقضايا، أما المطالب والهموم فواحدة ورؤيتهم لدور الأسر لا تتغير.
المحطة الثانيـة كانت في دار رعاية الفتيات وكان اللــقاء مــع رئيس الـدار لطيفة الشوكــة التي أوضحت لنا أن أغلــب الحالات التي تحول إلى الدار هي هروب من المنزل بالإضافة إلى قضايا المرور المتمثلة في قيادة من غير رخصة والتمـرد على سلطة الوالديــن إلى جانب حالات التفكـك الأسري وانعكاسها على الفتيات وسلوكهن.