[COLOR=#000000][B]مجلس خاص بكبار السن ووجهاء الحارات في مناطق المملكة العربية السعودية يطلق عليه {المركاز}، اشتهر في بعض مناطق المملكة العربية السعودية مثل جدة ومكة يضم العمدة ووجهاء الحارة. «المركاز» الموقع الشهير، الذي يتوسط الحارات الشعبية العتيقة في مدن جدة ومكة والمدينة والطائف غرب السعودية، يعد أحد المعالم التراثية القديمة التي لا تزال تكافح من أجل البقاء في زمان تسارعت فيه خطى التقنية واختلفت فيه سبل الترفيه والتواصل، وهي إحدى أهم وظائف كان يقوم بها «المركاز» في عهده الزاخر قبل ثلاثة عقود مضت وما قبلها. «المركاز»، الذي عرف بوجه خاص في منطقة الحجاز، هو عبارة عن مجلس خاص بكبار السن ووجهاء الحارات، وهو أيضا مقر عمدة الحارة ومنه يدير شؤون وظيفته، وغالبا ما يكون في مدخل الحارة ويمثل واجهة لها وبعض الحارات القديمة في جدة ومكة اشتهرت بـ «مراكيز» كبيرة وعتيقة، كانت سببا في شهرة هذه الحارات وذيوع صيتها بين الحارات الأخرى. وقبل ظهور المركاز كواجهة للحارات، كان لكل منزل في مناطق الحجاز مقعد في منتصف المنزل، يمكن ان نسميه أيضا المركاز وكان يصنع من الخشب الجاوي أو الزان، وتنقش رسومات جميلة تميزه في تلك الحقبة، ومع الاتساع العمراني تغير مكان ذلك المركاز من داخل البيت إلى خارجه، ليكمل دوره من خلال اجتماعات الأهالي والأعيان لتداول الأحاديث ومناقشة الأوضاع في الحارة، فكان حلقة وصل بين الجميع. مقعد خاص و«المركاز» يطلق على المجلس الذي يضم العمدة ووجهاء الحارة، لكنه في الأصل يطلق على المقعد الخاص الذي يجلس عليه العمدة، وهو عبارة عن كرسي خشبي له ظهر وله مسندان خشبيان أيضا، ويوضع على الخلفية قماش ليزينه وكذلك قطيفة لراحة الظهر، ويكون أمامه طاولة يوضع عليها الماء المبخر أو الماء المضاف عليه المستكة، ويجتمع فيه صاحب المركاز وبعض الأعيان عادة بعد صلاة العصر وبعد صلاة المغرب، ومشاكل الحارة يتم حلها في المركاز، ودعوات الأفراح يتم إجازتها وكتابتها من خلال المركاز، الذي يعتبر بمثابة المركز الالتقائي لكل أهالي الحارة ولكل أهالي الحارات المجاورة. وظائف حيوية كان المركاز في أول العهد يقوم بوظائف مهمة وحيوية بالنسبة لسكان الحارات، حيث كانت تتم فيه مناقشة كل ما يتعلق بأمور الحي واحتياجاته، بالتشاور بين وجهاء وأعيان ومشايخ الحي، وهو مستودع أسرار العائلات وأحوالهم، ويباشر رصد الحالات الفقيرة والأرامل وتسجيل المحتاجين من أهل الحي لدى الجهات والجمعيات، ويناقش احتياجات الحي لدى الإدارات الحكومية، كما كان يقوم كذلك بالفصل في الخصومات بين السكان وحكمه نافذ على أبناء حارته، ويحكم العمدة ورجال الحارة على المخطئ بـ بـ «القود» فيذبح من كان الحق عليه عددا من الخرفان يتفق عليه، وأحيانا يتحمل العمدة ما يسمى بالغرم في القضايا المالية أو تكاليف «القود»، ويلخص البعض الأدوار التي كان يقوم بها المركاز في انها أشبه ببرلمان الحي وأشبه بمحكمته وانه جمع بين السلطات هذه دون ان يؤثر ذلك في مكانته أو يكون مدعاة للتخلص منه أو تحجيم دوره، بسبب رضاء السكان لما كان يقوم به من الأدوار والوظائف. وحاليا، وان تقلصت وظائف المركاز، لكنه لا يزال يقوم ببعض المهام الحيوية، فالسؤال عن المتقدم للزواج في بعض الحارات المتمسكة بهذا التقليد لا يتم دون ان يكون هناك تشاور واسع في المركاز، وفي الغالب تكون التوصية الخارجة من المركاز سواء بالقبول أو الرفض هي التي تسري على الشخص المعني. ملتقى الحكواتي شكلت تلك المراكيز الحجازية بجانب جلسات إدارة شؤون الحارة ملتقيات للحكواتية ايضا حيث يتم سرد قصص أبو زيد الهلالي، وغيرها من القصص في قالب تمثيلي، ويتم إكمالها في اليوم التالي، وكانت تلك المراكيز بمثابة الترويح عن النفس بالنسبة للأهالي في ظل عدم وجود ملاعب أو أماكن ترفيهية في تلك السنوات. ويشير عمدة حي الهجلة في مكة محمود البيطار أنه رغم شيخوخة المركاز، الذي بدأ يتلاشى لدى الكثير من الناس خاصة من هم خارج مكة من أهل الحجاز، لكن للجلسة فيه والتشاور مذاق خاص ونكهة فريدة غير تلك التي تشعر بها وأنت خلف المكاتب المليئة بالأثاث الفاخر. ولفت إلى أن المركاز انطلق منه دور العمودية الحقيقي المتمثل في الدور الاجتماعي من ناحية تقديم المساعدة لسكان الحي والأيتام والأرامل والفقراء من خلال حث الأثرياء من أهل الحي على تقديم المساعدة لمن يحتاج إلى مد يد العون، إضافة إلى تسجيل المحتاجين من أهل الحي لدى الجهات والجمعيات الخيرية، كما يشارك العمدة أهل الحي السراء والضراء، وذكر ان مدينة جدة على وجه الخصوص، عرفت العديد من «المراكيز» الشهيرة ومنها مركاز عاشور ومركاز دياب ومركاز باعيسى ومركاز أبو زيد. أستاذ علم الاجتماع السعودي الدكتور أبو بكر باقادر لفت إلى ان المراكيز التي عرفت في الماضي تغيرت أو استبدلها الشبان الآن بالمقاهي والصالونات، قائلا: «كان المركاز في الماضي حلقة الوصل بين وجهاء الحارة وعمدتها وبقية أفراد الحارة، أما اليوم فيستطيع أي فرد مناقشة أي موضوع في مراكز أو مقاه حيثما شاء، نظرا للاتساع العمراني، ولتغير عادات الناس، وباتت أماكن تجمع الناس تحكمه ميولهم، كما بات التقاء الناس مع بعضهم حاليا يرتبط في أكثر الأحوال بالميول والرغبات، واستبدل الناس تلك المراكيز بجلسات المقاهي التي تقدم الشاي والقهوة كنوع من مواكبة التطور أيضا». وترى الأخصائية الاجتماعية وفاء الشمري ان المركاز مركز إرشادي اجتماعي من الطراز الأول، لافتة إلى أنه كان يؤدي دورا كبيرا للصغار والشبان.[/B][/COLOR]