[B]إرادتها ليست قوية فحسب، بل ربما هي نموذج لقوة الإرادة.. تحمل في قلبها جهادا وجلَدا، ومرت بكثير من التحديات فحطمتها بطوق عزيمتها التي لا تعرف الانكسار.. وجدت أن أفضل طريقة لصنع مستقبل ابنها عبدالعزيز، ذي الـ19 عاما (وهو من فئة متلازمة الداون). هي الانغماس والإبحار في عالمه الغريب عنها، فاستغلت مهاراتها الكتابية في خدمة أبناء ذوي الاحتياجات الخاصة، لاسيما الذهنية، حيث دونت تجربتها في كتاب يتضمن وقائع حية لمسيرتها كأم بكل ما تحمله الأمومة من مشاعر ومسؤوليات وتضحيات وأحداث ومواقف وأحلام وطموحات. إنها الأم المجاهدة والكاتبة الصحافية عواطف الزين، التي أشادت، في حديثها لـ القبس، بالتقدم الذي تشهده الكويت في مجال الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم، لافتة إلى وجود اهتمام فعلي من قبل المؤسسات والمدارس الخاصة، فضلا عن المساعدات المادية والمعنوية، بالإضافة إلى صدور مشاريع القوانين لحماية هذه الفئة، وتوفير حياة كريمة لهم، فضلا عن دمجهم في المجتمع الذي ينتمون إليه. ترفض الكاتبة عواطف الزين نظرات الشفقة والعطف من قبل أغلب الناس تجاه شريحة ذوي الاحتياجات، لافتة إلى أن مشكلتنا تكمن في انعدام الوعي الاجتماعي. وحول تقييمها لقانون المعاقين، اعتبرت الزين أن أي قانون يخدم أي فئة من ذوي المعاقين بمنزلة خطوة إلى الأمام، آملة أن يكون هناك نوع من التثقيف المجتمعي لدور هؤلاء الأطفال في المجتمع من خلال منحهم الفرصة لإبراز دورهم الفاعل في المجتمع، وعدم رفضهم القاطع، وذلك من خلال التعاون بين الأسرة والجهات الرسمية المتمثلة في الجمعيات المعنية بذوي الإعاقة والأفراد، فضلاً عن منحهم الفرص الوظيفية التي تتلاءم مع إعاقتهم والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم الكامنة. وأشارت الزين إلى بعض الخدمات المجانية التي تنقص فئة الداون، ومنها على سبيل المثال الخدمات التي تقدم في مركز الداون بمقابل، فضلاً عن عدم وجود متخصصين في هذا المجال، مشددة على ضرورة خلق بيئة حاضنة متكاملة لهؤلاء الأطفال، تتمثل في الأسرة والمدرسة والمجتمع. البداية روت الزين بداية اكتشاف الحالة عند الولادة، وكيفية تعايشها معها، قائلة: عندما ولدت عبدالعزيز، لم تكن هناك في الكويت فحوصات لمعرفة ما إذا كان الطفل معاقا أم لا، وإنما كان الفحص العادي هو المتوافر، الأمر الذي قد يسهم في تخفيف وطأة الصدمة، ولكن المشكلة الأصعب تكمن عندما تعرف الأم أن جنينها من ذوي الإعاقة، وما القرار الذي يمكن أن تتخذه في هذه الحالة، سواء كان التخلص من الجنين أم الرضا بالأمر الواقع ومواصلة المسيرة بكل مسؤولياتها وتضحياتها. وأضافت: بالنسبة إلي، لم يكن لدي الرغبة في قتل النفس، ولكن الفحص الوراثي المبكر في بداية الحمل كان أمراً ضرورياً للاستعداد النفسي والذهني في كيفية التعايش مع أي إعاقة. وواصلت قائلة: قبل ولادته لم يكن لدي أي فكرة عن مرض الداون، ولكن حينما رُزقت به، كان علي كأم أن أعرف الكثير عن المرض وأسبابه حتى يسهل التعامل مع طفلي. صعوبات وحرصت الزين على استحضار أبرز الصعوبات التي اعترضت مسيرتها قائلة: عندما علمت أن طفلي مصاب بمتلازمة الداون، كانت الصدمة كبيرة جدا، وكان علي أن أستوعب الصدمة تدريجيا، والإيمان بالقدر والانتظار، وعندما لفت الأطباء الانتباه إلي للنظر والتحقق من ملامحه جيدا، شعرت بالخوف والقلق، ووجدت بالفعل اختلافا في ملامحه، مقارنة بباقي الأطفال في الغرفة، وعندما أجروا له فحص الكروموسومات تبين انه زائد على الطبيعي، وكان هذا اليوم مأساويا بالنسبة إلي، وخاصة أنني لم أتخيل يوما أن يكون ابني من فئة الداون، ولكن وجدت نفسي في مواجهة مع المرض، وبدأت معركتي مع الحياة بتفاصيل دقيقة وصعبة، لأنه لم يكن لدي أي فكرة وحاولت البحث عن معلومات. ومضت تقول: علاوة على ذلك لم يكن هناك مرجع أو أي جهة يمكن التواصل معها، حتى أصبحت محاصرة بأسئلة كثيرة لم أجد لها إجابات، إلى جانب أن هذه الفئة تحتاج إلى عناية واهتمام خاص نظراً لكثرة تعرضها للمرض. علاج وبينت الزين أن الإعاقة الذهنية تعد من أصعب الإعاقات التي لا يمكن شفاؤها، بخلاف بعض الحالات من ذوي الإعاقة الجسدية، التي يمكن معالجتها، مشيرة إلى أن العلاج الأولي بالنسبة لذوي الإعاقات الذهنية يكمن في كيفية التعامل والتعايش معهم، ونقل الشخص من دائرة الإعاقة إلى الدائرة الصحية من خلال خلق الإحساس لديه بأنه فرد أساسي من أفراد الأسرة دون تمييز في المعاملة أو في مبدأ العقاب والثواب لتجنب بناء الحاجز النفسي بينه وبين بقية أفراد الأسرة. الدمج وفيما اعتبرت الزين أن فكرة الدمج في المدارس مفيدة جدا في حال تطبيقها على نحو صحيح، انتقدت نقص أعداد الهيئة التدريسية المتخصصة من المدرسات في هذا المجال القادرات على تعليم الأطفال، لافتة إلى أن فكرة دمج أطفال الداون في المجتمع بدءا من المدارس لم تكن موجودة قبل عام 1997 في دولة الكويت، وهو العام الذي شهدت فيه أول مشروع جدي على هذا الصعيد عبر خطوات عدة، أبرزها استحداث فصول دراسية لهذه الفئة في عدد من المدارس ورياض الأطفال، وقد نجح هذا المشروع بجهود كل من الأمهات والأمانة العامة للتربية الخاصة في وزارة التربية والهيئة التدريسية والأطفال ذاتهم ولا يزال قائماً حتى الآن. وتابعت قائلة: ونتيجة لذلك شهدت السنوات العشر الماضية حضوراً أكبر لهذه الفئة من ذوي الإعاقة الذهنية في الأنشطة الاجتماعية عبر مؤسسات ومراكز وجمعيات ومدارس خاصة وعامة تقوم على رعايتهم، إلى جانب إصدار بعض القوانين التي تحمي حقوقهم وتنظم شؤونهم في إشارة منها إلى أن بعض هذه القوانين لا يزال قيد الإنجاز، بالإضافة إلى زيادة نسبة الوعي بضرورة مساعدتهم ووضع الخطط الملائمة التي تجعلهم مشاركين بفعالية في مجتمعاتهم كل حسب إمكاناتهم بعد خضوعهم للتدريب والتعليم والتأهيل. المرحلة الدراسية وتحدثت عن جانب من حياة طفلها الدراسية تحديدا مرحلة الروضة، فقالت: «أحيانا تحيط المعلمة الطفل بالرعاية والاهتمام ولكنها تحتاج للتدريب، وفي ذلك الوقت تم تنظيم دورات تدريبية للهيئة التدريسية حول كيفية التعامل مع هذه الشريحة»، لافتة إلى أنه بالرغم من أن المعلمين استفادوا من هذه الدورات إلا أنه من خلال ملاحظتي الدائمة وخبرتي وتجربتي الحياتية في هذا المجال لمست عددا من الأخطاء التي تكمن في عدم مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال من خلال تدريس الطلبة بنسب ذكاء متفاوتة تماما عن بعضهم البعض مما يظلم قدراتهم. وأضافت الزين: عندما دخل عبد العزيز الروضة كان طفلا مميزا شبيها بالطفل الطبيعي في ذلك الوقت، وكذلك الأمر في المرحلة الابتدائية بفضل جهود الأسرة المحيطة به، فضلا عن اختلاطه اجتماعيا مع الآخرين من خلال حرصي على مشاركته واصطحابه معي في الندوات والحلقات النقاشية دون الخجل من إعاقته. ولفتت إلى أنه في بداية دخوله الروضة كانت محاولتها الأولى محفوفة بالقلق والتردد حول أن تكون إعاقاته عائقاً أمامه في أولى خطواته إلى عالم الأسوياء بعدما واجهت رفضاً من إحدى الناظرات لقبوله في احدى الروضات، إلا أنه سرعان ما تبدل هذا الشعور تنفست الصعداء حينما التحق بــ «روضة الجابرية» بموافقة ناظرة الروضة وهي صديقة مقربة تعرفت عليها أثناء وجود ابنى الآخر عبد الرحمن في الروضة ذاتها لعامين متتاليين. تجارب وأردفت الزين: كنت أطبق مشروع الدمج على ابني عندما التحق بهذه المدرسة، خاصة أنه الطفل الوحيد من ذوي الاحتياجات الخاصة في روضة الأطفال العاديين مما عاد عليه بالنفع كثيرا وتعلم في فترة قصيرة ما كان يحتاجه في وقت أطول وأصبح أكثر قدرة على الكلام، ومن ثم انتقل إلى روضة «عبد العزيز الشاهين» ومن ثم إلى مدرسة إسماعيل الغانم للمرحلة الابتدائية، حيث كانت سنوات حافلة بالتجارب التي صقلت شخصية ابني ووفرت لي نوعا من الاستقرار النفسي لي ولابني. وأشارت إلى تفوق ابنها وتميزه دراسياً لدرجة أنه كان يعمل مدربا مساعدا لزملائه وقالت: انهم يستخدمون ابنى لتعليم أطفال آخرين في المدرسة مما أثر عليه سلبيا لأنه أصبح يقلد أصوات الطلبة الذين لا يجيدون الكلام. الأم وسلطت الزين الضوء على دور الأم في عملية التربية، فهي أفضل طبيب نفسي لطفلها، مشيرة إلى ضرورة توعية الأمهات بطريقة التعامل بين الأبناء، وخاصة في ظل وجود طفل معاق بينهم من حيث عدم التمييز فيما بينهم، فضلا عن دورها في تحويل ابنها المعاق إلى شخص سوي فاعل غير اتكالي ويعتمد على ذاته. وتساءلت الزين: هل كل أم قادرة على التعامل مع طفلها المعاق؟ مبينة أن الأم المثقفة ولديها خبرة اجتماعية أقدر من الأم غير المتعلمة. وشددت على ضرورة أن ترسم الأم منهجا وبرنامجا متكاملا لحياة طفلها بعيدا عن المدرسة والمجتمع، داعية إلى ضرورة تكاتف جميع إفراد الأسرة. دور إعلامي وأوضحت الزين أنها سخرت دورها الإعلامي «كونها صحافية» في خدمة هذه الشريحة، من خلال تقييمها لمشروع الدمج عبر تحقيقات شاملة نشرت في إحدى الصحف المحلية، فضلاً عن مشاركتها ومساهمتها في الأنشطة الخيرية والخدمات في مركز الداون. الكتاب وعن فكرة عمل الكتاب، قالت إنها انبثقت بعد خبرة كاملة في تربية أطفال الداون، مرجعة سبب تسمية الكتاب «عزيزي النابض حباً» إلى صفة الحب والمسالمة التي تمتاز بها هذه الفئة بعيداً عن صفات الكراهية والبغض. وأضافت: ان هذا الكتاب ليس شخصيا بل عام، فهو ليس موجها فقط لهذه الفئة، بل للناس عامة، وهو يهدف إلى خلق بيئة حاضنة ومناخ إيجابي لهذه الفئة تقبله ولا ترفضه سواء من الأسرة أو المجتمع، وإعداد حياة أفضل لهم، لا سيما أن أطفال الداون كغيرهم من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يحظون بالكثير مما يستحقونه حيث أنهم كانوا مهملين حتى سنوات قليلة ماضية، ولم يكن الاهتمام بهم جدياً بما يكفي، وإنما اقتصر على بعض الخدمات في مؤسسات اجتماعية تابعة لوزارات الشؤون. شريكة فعلية أشارت الزين إلى أن الأم تلعب دورا مكملا وشريكة فعلية في عملية التدريس، من خلال تواصلها اليومي مع أعضاء الهيئة التدريسية، ومشاركة طفلها في البرنامج الدراسي، والمتمثل في تواجدها في طابور الصباح ومرافقته الحصص. اهتمام ثلاثي ذهبت الزين إلى أنه كلما زاد الاهتمام الأسري والمجتمعي والمدرسي بطفل الداون، زادت تهيئة البيئة المناسبة له وتضاعف تجاوبه وتطوره، مبينة أن طفل الداون يعطي بقدر ما يأخذ من رعاية وتدريب وتعليم، لينتقل نفسياً وذهنياً من مرحلة عمرية إلى أخرى بأمان. الإعلام أشارت الزين إلى دور الإعلام البارز في تسليط الضوء على ذوي الاحتياجات الخاصة، مقترحة إعداد برامج خاصة للتعامل مع أطفال الداون في شتى وسائل الإعلام. أولوية قالت الزين: إن المعاق الذهني يحتاج إلى أولوية في الرعاية والمساعدة الكافية لتقبله في المجتمع الذي يعيش فيه، فهو ليس معاق المشاعر، موضحة أن الإعاقة ليست نقصا في الأعضاء، بل تتنوع حسب كل فرد سواء الفكر أو الخلق. هوايات عددت الزين جملة من الهوايات المفضلة لدى ابنها، ومنها سماع الموسيقى العربية والأجنبية وحفظها، إلى جانب العزف على الآلات الموسيقية، فضلا عن جمع أشرطة الكاسيت والمجلات والصور والرقص. مهارات كتابية دعت عواطف الزين الأمهات اللواتي يمتلكن المهارات الكتابية، وخاصة ممن لديهن أبناء من ذوي الإعاقة، إلى توظيف مواهبهن وترجمة تجاربهن إلى كتب، بحيث تكون مراجع يستفيد منها الجميع، وتسهم في الوعي الاجتماعي.[/B]