[B]التحذير طبيا من زواج الأقارب لايزال قائما، ومن خلال هذا التحقيق سنحاول أن نسلط الضوء على محاذير الزواج من الأقارب على الوجهين الطبي والاجتماعي، وهل حقا يصدق مثل «الأقارب عقارب» والذي يحذر من مغبة الارتباط بقريبة او قريب، حتى أن سيدنا عمر بن الخطاب له مقولة شهيرة في الزواج يقول فيها «اضووا» أي تباعدوا عند أقدامكم على الزواج.
سنبحث من خلال حالات حية تعيش بيننا نتاج زواج الأقارب، طبيا واجتماعيا بل وقانونيا أيضا.
وإلى أي مدى يصدق تحذير الزواج من الأقارب، خاصة ان دراسات طبية موثقة تثبت أن 85% من الأمراض الوراثية مثل متلازمة الداون سببها زواج الأقارب وهي إحصائية صادرة عن مركز الأميرة الجوهرة للتميز البحثي في الأمراض الوراثية بجامعة الملك عبدالعزيز بعد إجراء مسح بحثي شمل أكثر من 100 حالة لأطفال مصابين بمتلازمة داون.
زواج الأقارب وقطع صلة الرحم
من جانبه قال المحامي محمد ذعار العتيبي: «أعتقد ان زواج الأقارب يضع عائلتي الزوجين أمام حرج كبير في حالة وقوع الطلاق والتوجه إلى المحكمة للتقاضي بين الزوج والزوجة وهنا يتحول الخلاف إلى فجر الخصومة بين الطرفين بل وبين جميع أفراد العائلتين».
وأضاف العتيبي: «ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل انه يزيد من البغض والكراهية بين الأقارب تنتقل من الطرفين الى العائلتين بأكملها، وهو ما قد يتسبب عادة في قطع صلة الرحم بين أبناء العمومة ولسنوات طويلة، وشهدنا مثل هذه القضايا التي حصلت بين الأقرباء».
ويطرح العتيبي رأيه في زواج الأقارب عامة بقوله: «لا أقول هنا ان زواج الأقارب سيئ بل قد يكون تقريبا لصلات الأرحام بين العائلات وتوثيقا لصلة القربى ولكن وفي حال حدوث خلاف بين زوجين قريبين كأن يكون الزوج ابن عم الزوجة وذهب هذا الخلاف إلى المحكمة فإنه قد يتسبب في قطع صلة الرحم بين العائلتين نهائيا».
نتيجة زواج الأقارب.. إعاقة
الحالة الأولى التي نستعرضها من بين حالتين مأساويتين نتجت عن زواج الأقارب لحالة زواج مواطن من ابنة عمه وهي ليست تعميما أو تخويفا أو تحذيرا من زواج الأقارب بل دعوة للحذر، (مبارك. ع) مواطن أربعيني تزوج من ابنة عمه ورزق بولدين وفتاة (الولدين 13 و15عاما) والفتاة (17 عاما) جميعهم يعانون من إعاقات جسدية وذهنية مختلفة، ومنذ 17 عاما يراجع بين أروقة المستشفيات بأبنائه الثلاثة منذ ولادة ابنتــه البكــر ويقـــول مبــارك: «تــزوجت ابنة عمي ولم نكن يومها سمعنا عن خطورة زواج الأقارب وأيضا لم يكن
هناك فحص ما قبل الزواج او تحذيرات، ورزقت بابنتي كأول طفل ارزق به، وخلال الخمس سنوات الاولى لم يكن هناك أي خلل جسمي واضح بها ولكن في السنة السادسة تبين انها تعاني من خلل في فقرات الظهر والحوض ومشكلة في الحالب ويستلزم علاجها تدخلات جراحية، ومنذ عامها السادس بدأت أراجع بها بين أروقة المستشفيات، وخلال ذلك رزقت بطفلي الثاني الذي جاء بعدها بعامين وكان يعاني ومنذ الأشهر الأولى لولادته بمشكلات في القلب وبعد ان أتم عامه الأول تبين انه يعاني من صمم وفي عامه الثالث تبين انه يعاني من خلل ذهني أو كما تسمى إعاقة ذهنية، ورزقت بعده بعامين بطفلي الثالث والذي أيضا كان يعاني من مشكلات بالقلب وارتجاع في شرايين القلب، ولم أكن أعلم ومنذ ان بدأت مراجعتي بكل أبنائي ومنذ مراجعتي في ابنتي ان مشكلتي تكمن في أن زوجتي هي قريبتي، حتى نبهني إلى ذلك دكتور وأبلغني ان ما أتعرض له او ما يتعرض له أولادي هو نتيجة زواج الأقارب».
3 أولاد أصحاء
وأضاف مبارك: «وبعد ان اكتشفنا ان ما أصاب أولادنا من أمراض هو نتيجة زواج الأقارب بعد تأكيدات الأطباء، وبعد عدد من المراجعات المتعلقة بمدى خطورة الإنجاب بيني وبين زوجتي قررنا عدم الإنجاب، ولكن رغم الحرص حملت زوجتي وأنجبت الطفل الرابع وكان سليما لا يعاني من شيء، ثم أنجبنا الخامس وكان سليما أيضا، وعندما سألت الأطباء أبلغوني انه ليس بالضرورة ان يعاني أبنائي من خلل ذهني أو جسدي، ولكن الاحتمال لان يولد أي منهم بخلل ذهني أو جسدي كبير جدا».
واختتم مبارك. ع حديثه قائلا: «الحمدلله على كل حال، هذا هو نصيبي، ولن أقول لو كنت أعلم ما سيحدث لما تزوجت، فالحمد لله، ولكنني انصح كل من يريد ان يقدم على الزواج، ان يتأنى كثيرا قبل الأقدام على هذه الخطوة».
متلازمة الداون
عمرها 25 عاما ورزقت بطفل عمره عامان يعاني من متلازمة الداون ومنذ ولادته وهي تقوم بمراجعة المستشفيات في محاولة لعلاج ابنها وتقول: «هو ابني الأول والوحيد من ابن عمي الذي تزوجته قبل 3 سنوات. ومنذ ولادته اتضحت إصابته بمتلازمة الداون، والطبيبة المعالجة أبلغتني بان السبب في هذا الخلل الجيني هو زواجي من ابن عمي، وحذرتنا من ان احتمال إصابة ابننا القادم بمثل هذا الخلل كبير جدا، ولذا قررنا عدم الإنجاب».
وتقول: «لم يحذرنا أحد أنا وزوجي من مخاطر زواج الأقارب ولو كنت اعلم ان هذه النتيجة ما كنت تزوجت من ابن عمي، ليس كراهية فيه ولكن حماية لولد لا ذنب له، واعني ابننا».
وتختتم حديثها قائلة: «أعتقد ان فحص ما قبل الزواج خطوة موفقة وإقراره والعمل به سيحمي كثيرا من الزيجات مستقبلا».
مرض نادر.. عالميا
محمد. ع (42عاما) منذ ان رزق بابنته البكر وقد شخصت حالتها بأنها مصابة بمرض نادر وهو مرض يصيب 1 من كل 100 ألف شخص عالميا، ويقول محمد: «في الحقيقة لم يجزم لي أي من الأطباء الذين أشرفوا على علاج ابنتي بان سبب إصابتها بهذا المرض النادر هو زواج الأقارب، ولكنني شخصيا أعتقد ان سبب الإصابة بهذا المرض هــو زواجي من ابنــة عمــي، رغم انني رزقت بأبناء أصحاء ولكن مازلت أعتقد ان زواج القربى هو ما أدى إلى إصابة ابنتي بهذا المرض الغريب والنادر».
هذا، وامتنع محمد عن ذكر اسم أو طبيعة المرض النادر المصابة به ابنته لخصوصية أعراضه ولعدم كشف شخصية ابنته.
رأي الدين
عميد كلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.مبارك الهاجري اكد ان النبي صلى الله عليه وسلم قد حث على الزواج من المرأة الصالحة ولم يذكر ان تكون المرأة غريبة لا يربطها بــزوجها نسب بل طلب التخيــر مــن الصالحــات، فعــن عائشــة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تخيــروا لنطفكــم وأنكحــوا الأكفاء وانكحــوا إليهم».
وبيّن ان زواج الأباعد ربما يكون أفضل حسب أحوال الزوج والزوجة فقد يكون في زواج القرابة ما لا يوجد في الأباعد، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب بنت جحش وهي قريبته وزوجها له الله تعالى. وأشار د.الهاجري الى أهمية الفحص الطبي قبل الزواج سواء من الأقارب أو غير الأقارب لأنه يعتبر وسيلة وقائية فعالة للحد من الأمراض الوراثية الخطيرة، حيث يحقق الفحص الطبي مصالح مشروعة للفرد وللأسرة وللمجتمع ويدرأ مفاسد اجتماعية ومشاكل بعد الزواج. وحث الهاجري على أهمية الالتحاق بدورات ثقافية عن الزواج قبل الزواج حتى يتعرف الزوجان على الحياة الزوجية ومواجهة اي صعوبات او مشاكل.
وقال: من نعم الله علينا ان الدولة تهتم بهذه الأمور وتشجع على الفحص الطبي مجانا قبل الزواج وتشجع على الالتحاق بالدورات المتنوعة عن الحياة الزوجية ايضا مجانا، ولذا أدعو كل زوجين مقبلين على الزواج ان يقوما بالفحص الطبي والبصمة الوراثية ايضا.
حديث موضوع
ويؤكد الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بسام الشطي ان حديث «اغتربوا لا تضووا» وحديث «لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا»، حديثان موضوعان وان ما يدعيه بعض المتوهمين بكراهة زواج الأقارب هذا غير حقيقي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج ابنة عمته زينب بنت جحش وزوج ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها لابن عمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزوّج رقية من عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم زوّج عثمان من أختها أم كلثوم بعد وفاة رقية رضي الله عنها، ومن المعلوم ان عثمان رضي الله عنه يشترك في النسب القريب مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وأشار د.الشطي الى ان الدراسات الطبية الحديثة أثبتت انه لا دخل لزواج الأقارب بالأمراض الوراثية في الذرية مادام أفراد العائلة أصحاء وراثيا. وأشار د.الشطي الى انه جلس مع المصابين بمرض الثلاثميا الذي يفترض ان ينتقل بالوراثة، فتبين لي انه لا واحد منهم له قرابة بالآخر، لافتا الى ان فحوصات وزارة الصحة للمقبلين على الزواج سواء أقارب أو غير أقارب ضرورة ولازمة لكل زوجين حتى يتفاديا اي مرض.
وأكد ان هذا الحديث كما يقال ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه انه نهى عن زواج الأقارب.
وأشار د.الشطي الى ان هناك دراسة أميركية نشرت في مجلة طبية متخصصة ان زواج الأقارب من أبناء العمومة أقل خطرا من الاعتقاد السائد وان نسبة التشوهات في مواليدهم تكاد تكون نفسها عند بقية الأزواج من غير الأقارب، مؤكدا ان هناك فوائد لزواج الأقارب إذا كانت الأسرة تمتلك عوامل وراثية ليست في غيرها من الأسر كالذكاء والجمال والقوة حينئذ يكون الزواج بالأقارب أفضل من الزواج بالأباعد اذ تظل هذه الأسرة محتفظة بالجينات الصحية المميزة الحاملة لهذه الصفات.
رأي الطب
أكد مدير إدارة الصحة الاجتماعية في وزارة الصحة د.يعقوب الكندري أن زواج الأقارب وفق العادات والتقاليد المعمول بها في المجتمع الكويتي هو أمر طبيعي، وتحرص عليه العوائل الكويتية عند رغبة أبنائهم في الزواج كونه واقعا اجتماعيا.
وأشار د.الكندري إلى أنه تم الملاحظة من خلال إجراءات الفحص الطبي قبل الزواج أن صلة القرابة سواء من الدرجة الثانية أو الثالثة تمثــل 14.7% من نسب الزواج، معتب ان الأمر طبيعي وفق العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمع الكويتي. وبين أن نسبة الأمراض الوراثية لم تمثل 2% من نسبة زواج الأقارب، لافتا في نفس الوقت إلى أن هذا يدل على أن زواج الأقارب يحتمل ان ينقــل أمراضا وراثية.
وتابع د.الكندري: إلا أن الفحص الطبي قبل الزواج يكشف تلك الحالات ويقوم المختصون في إدارة الصحة الاجتماعية ومراكز الفحص الطبي قبل الزواج بإعطاء الإرشادات والمشورة الطبية اللازمة لتلك الحالات.
وأكد على أنه تم تجنيب أكثر من 70% من تلك الحالات المصابة بالأمراض الوراثية بالعدول عن الارتباط، والارتباط بشخص آخر سليم يجنب أطفالهم انتقال تلك الأمراض الوراثية لهم.
[/B]