[B]
تنبعث رائحة الصلصال من محطة صناعة الفخار في قسم التأهيل بمركز الشارقة للخدمات الإنسانية، وتأخذنا أقدمنا إلى الوقوف على عتبات المكان التي استنطقت جدرانه بالحكم والأمثال وجسدت بين ثناياها رموزا من التراث وجمالياته، هنا لا تهدأ أنامل المعاقين، يعيدون تشكيل الصلصال بروية وصبر، ليقدموا عملا ومنتجات فنية رائعة وفق مقاييس عالية، تحف تخبرنا أن الإرادة والتحدي تصنع المستحيل. عن هذه الورشة وأهميتها في تأهيل المعاقين يحدثنا أمجد الطواهية المشرف على قسم التأهيل في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
يقول أمجد: نحن نغرس في طلابنا مفهوم تحدي الإعاقة وهو المبدأ الذي نركز عليه، ونعزز فيهم أن قوة الإرادة هي الأمل الذي يقودنا إلى الحياة الكريمة.
ومن خلال هذه الورش التدريبية نحاول إعداد الطالب مهنياً ونفسياً واجتماعيا ليتكيف مع إعاقته بالصورة المناسبة وتهيئته لتحمل المواقف الحياتية والتغلب على مصاعب الحياة وشدائدها وأن يكون معتمداً على نفسه في شتى أمور حياته وأن يحيا حياة كريمة.
يتابع الطواهية: بالتعليم والتأهيل يستطيع المعاق إثبات قدراته وقابليته العقلية والإدراكية الكاملة التي يمتلكها والتي يمكن أن يتفوق فيها في كثير من الأحيان على أقرانه الأسوياء حيث يمنحهم التعليم مزايا وفرصا عديدة، وذلك باعتباره أيضا حلقة في سلسلة حلقات تستهدف تأهيل المعاق مهنيا لكي يتكفل بنفسه وبمعيشته وربما إعالة أسرته مستقبلا.
ويؤكد الطواهية: من هنا كان لابد من جعل هذا المعاق فرد فاعل في المجتمع يتملك من المقومات من يجعله قادرا على الإنتاج والمشاركة في الحياة المجتمعية والاقتصادية على وجه الخصوص، فهو جزء لا يتجزأ من المجتمع عليهم ما على الآخرين، هناك الكثير من البرامج التي تساهم بشكل أو بآخر في التغلب على مجمل المصاعب التي يقد يصادفه المعاق في حياتهم. فالعمل يجعل منه فرد منتج ينطوي عليه الكثير من المسؤوليات في التعامل مع ما يتمتع به من مقومات مهنية في العطاء والمثابرة على العمل والإنتاج. وهذا ما يتوقع منه المحيطين به.
وعن دور مراكز التأهيل يضيف الطواهية قائلا: تساهم المراكز التأهلية والتدريبية تساهم بصوره دائمة في احتضان هذه الفئة وتعليمهم بعض الأسس والمبادئ الهامة في العملية الإنتاجية، وخلق فكرة إيجابية في أذهانهم حول مجمل الأعمال التي يقدمونها ما قد يضفي إليه منتجاتهم التي بلاشك ستنعكس على نفسيتهم بطريقة إيجابية وتكرس فيهم روح العمل.
ويتحدث الطواهية عن ورشة الخزف التعليمية للمعاقين فيقول: من خلال هذه الورشة التدريبية في صناعة الخزف قدم المعاقون الكثير من المنتجات التي تتمتع بواصفات عالمية من خلال الإتقان والدقة إضافة إلى الشكل والتصميم الجاذب، فنجد أن المعاقين يتمتعون بقدرة هائلة على الرغبة في تقديم منتج مثالي هذا ما نلمسه في الكثير من الورشة التدريبية ومن بينها ورشة صناعة الخزف حيث نجد العديد من المنتجات المتميزة في صناعة الأواني الخزفية «الجرار»، وبعض النماذج الفنية التي دونت عليها كتابات ذهبية وفضية لآيات القرآن الكريم، والكثير غيرها.
وعن تأثير الصلصال على تعليم المعاق يتابع الطواهية: رحلة صناعة الفخار تبدأ من حيث التعامل مع خامة الصلصال التي تمنح المعاق متعة وحرية أثناء ممارسة العمل، وتعلم خطواته، من لحظة تشكيل الخامة ووصولا إلى مرحلة حفر الزخارف عليها إلى نقطة أدخلها الأفران وإخراجها ثم مرحلة التلوين ومسك الفرشاة التي هي أيضا حرفة أخرى يكتسبها المعاق من خلال هذا العمل، حيث يبدأ في التعامل مع هذه الألوان بحذر ودقة وصبر، وهو يمرر بفرشاته على قطعة الفخار، فهنا أيضا يظهر لمساته وإبداعه الفني وهو يمزج الألوان، وينتقي المظهر النهائي الذي سيظهر عليه المنتج، ثم يشرع في إدخاله الفرن مجددا حتى يكتسب متانة وقوة، ثم يخرجها بعد فترة زمنية ويضعه إلى جانب منتجاته والسعادة تعلو وجنتيه، ويتدفق في داخلة نشوة الرغبة في الاستمرار والعمل ومحاولة ابتكار تصاميم جديدة ومتميزة ومختلفة عن الأخرى، ليؤكد للآخرين أنه قادر على أن يكون فردا منتجا ومبدعا في المجتمع، هذا الأمر لا يمكن إنكاره أو حتى تجاهله، فقد حقق المعاقون إنجازات عديدة على كافة الأصعدة، وحملوا اسم بلدانهم في المحافل الدولية.
ويرى الطواهية إلى أن هذه الأعمال وجدت لها صدى واسعاً في الكثير من المعارض والمحافل المجتمعية، التي تنظم سنويا إلى جانب مشاركات خارج الدولة، بالإضافة إلى وجود معرض دائم في السوق المسقوف في الشارقة والمعرض الختامي لبيع منتجات القسم في نهاية العام والذي ينظم في السوق المركزي. فالمعاق بحاجة إلى الأخذ بيديه ومنحه الفرصة، وزرع الثقة في نفسه، وفتح له الأجواء العملية إلى جانب تهيئة البيئة المناسبة لقدراته حتى يستطيع أن يساهم هو بدوره في تنمية المجتمع. [/B]