[B]لكل زمان أناس يختارهم الله تعالى لخدمة خلقه، فيبسطون أيديهم بالمعروف، ويعطون من مال الله عطاء من لا يخشى الفقر، همهم في الدنيا إدخال الفرحة إلى قلوب الأيتام والأرامل والمساكين، تستنير وجوههم برؤية البسمات تتناثر في الوجوه، لا يعرف المستحيل طريقا إلى قلوبهم، ولا الخوف ـ إلا من الله ـ سبيلا إلى نفوسهم، زادهم التقوى وعمل المعروف، وخصالهم بسط الكف والتقرب إلى الله بحميد الأفعال والصفات.
ولأننا نحيا على أرض تتنازعها المتناقضات، وقد يغلب شرها خيرها إلى حين، يبرز أمام أعيننا قبس من نور يطوي الظلمة ويكشف الغمة، وهذا ما رأيناه بأم أعيننا في الوقف الخيري الذي يشيده مدير عام سوق لندن خليل ابراهيم الكندري (ابو حمد)باسم والدته برا بها بعد وفاتها، وهو وقف يدل على عمق الحب لله جل في علاه، والرغبة العظيمة في فعل الخير وبذله للمحتاجين، فالوقف عمل لا يقدر عليه إلا أصفياء الله من خلقه، فهم يقدمون ما يملكون في سبيل الله ولخدمة خلق الله، وهو من أفضل أعمال البر التي ترضي الله عز وجل، كيف لا والله جل في علاه يرضى عن عبده المتصدق بحر ماله الحلال ليكون في خدمة عباد الله.
لقد سخر آل الكندري أموالهم في سبيل عمل إنساني نبيل لا تسعفنا الكلمات في وصفه، ولا في ذكر محامده ومنافعه، فالله عز وجل هو المثيب على الفعال والمعطي بلا حساب، فكيف بمن زهدوا في الدنيا فأنفقوا أموالهم وبذلوها رخيصة لتكون لهم شفيعا يوم الدين (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
زارت موقع الوقف برفقة مستشار الإدارة العامة يوسف عبدالرحمن وعدد من الشخصيات الذين أثنوا على هذا الوقف بجميل الكلام سائلين المولى أن يخلف على واقفه وأن يجعل ذلك في صحيفة أعماله، وخلال الجولة تحدث مستشار الإدارة العامة يوسف عبدالرحمن فأثنى على الواقف وحمد صنيعه ودعا له بالتوفيق وأن يثقل الله ميزان حسناته وأن يرفع بهذا الوقف درجاته.
صاحب الوقف خليل ابراهيم الكندري قال: إن هذا العمل الذي نسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، هو وقف خيري تعليمي باسم والدتي رحمها الله وجعل مثواها جنات النعيم، حيث إن ديننا الحنيف يعتبر الوقف من الصدقة الجارية التي يبقى خيرها موصولا بعد الانقطاع عن الحياة الدنيا، وهذا ما جاء في صحيح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، لذا، فإني أسأل الله تعالى أن يكون هذا الوقف من الأعمال التي تصل حسناتها إلى والدتي رحمها الله.
وأكد الكندري على أن ريع هذا الوقف سيكون تحت تصرف جمعية النجاة الخيرية تنفقه في أوجه البر والخيرات، فتحل به العقد، وتعطي المحتاج وتستر العريان وتطعم الجائع وتغيث الملهوف وتيسر أمور العباد، وتكفي فقيرهم ذل السؤال ومرارة الحرمان، فجمعية النجاة الخيرية صرح خيري يشهد له القاصي والداني في إيصال الخير إلى جميع المحتاجين والفقراء والمساكين، وهذا ما نراه من العمل الذي يرضي الله تعالى فالصدقة تطفئ غضب الرب، وكما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله»، وأنا أرجو من الله تعالى أن نكون من أحب خلقه إليه.
وتابع الكندري بقوله إن هذا الصرح سيكون منارة تعليمية دينية تقدم للأجيال أفضل طرائق التعليم الشرعي الذي بات يحتاج إليه الجيل أكثر من أي وقت مضى، وكما نرى فإن البناء في اللبنة الأولى منه، وسنقوم بتشييده ليكون جاهزا للتسليم خلال أقل من سنة، فالعمل بدأ على قدم وساق لإنجاز المبنى وتسليمه لجمعية النجاة الخيرية كاملا من جميع الجهات، لتقوم بإدارته والإشراف عليه وجعله منارة يهتدي بها التائهون ويستنير بضوئها طلاب العلم.
وكشف الكندري عن نيته المضي في أعمال الخير التي تحفز الآخرين على المبادرة إليها، حيث من المزمع تنفيذ مشاريع وقفية في المستقبل، ومنها وقف باسم إخوانه ستكون ضمن سلسلة الأوقاف التي أنجزناها، فهناك بحمد الله وتوفيقه مساجد تم بناؤها، وثمة وقف خاص بالوالد رحمه الله، وإننا نسأل الله العلي القدير أن يتقبل هذه الأعمال وأن يثيبنا عليها خيرا وأن ينفع بها العباد والبلاد، لاسيما أن الأوقاف هي باب طيب من فضيلة البر بالوالدين الذي حض عليه الإسلام، وأمرنا الله تعالى به في أكثر من موضع في كتابه العزيز.
وأوضح الكندري أن «اختيار مدارس النجاة يأتي من ثقتنا بالجمعية التي أضحت معروفة بنجاحها في العمل الخيري والذي أثمر الكثير، إضافة إلى أن مخرجات مدارس النجاة التعليمية معروفة للجميع، لاسيما أن أجيالا واعية ومثقفة ومرباة على التربية الإسلامية الصحيحة تخرجت من رحم هذه المؤسسة الرائعة، ممن نفاخر بهم في تعليمهم ووعيهم وأخلاقهم.
وفي ختام الجولة تمنى الكندري من كل تاجر أو صاحب مال أن يتقي الله في ماله وأن يجعل حصة غير قليلة منه في أعمال البر والخير وإفادة الناس، وذلك عبر الكثير من وجوه الإنفاق والتي منها وقف مبان أو مساحات من الأراضي ليتم إشادتها بما ينفع الإسلام والمسلمين ويكون ذلك في صحيفة الواقف ومن كان الوقف بسببه إلى يوم الدين، مختتما بالآية الكريمة (يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين. ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون).
[/B]