[B]
إن فقدان حاسة البصر ليس إعاقة في الحياة، بل الكثير من المكفوفين استطاعوا أن ينشطوا قدراتهم ببصيرتهم التي يفقدها الكثير ممن أنعم الله عليهم بالرؤية.
يوجد في ايران ما يقارب 100 ألف مكفوف يدرس الآلاف منهم في المدارس الخاصة بهم والجامعة، وبحسب الاحصائيات فإن أكثر من 550 من هؤلاء يدرسون في مرحلة الدكتوراه، وقد تقلد العديد منهم مناصب حكومية تنفيذية وثقافية، وهم يعملون إلى جانب المواطنين المبصرين.
وقدم المكفوفون في ايران عددا كبيرا من الشخصيات الثقافية والفنية، وذلك فضلاً عن الرياضيين الذين حصلوا على ميداليات في الاولمبياد والبطولات العالمية الخاصة بهم.
شكّل إنتصار الثورة الاسلامية في ايران فرصة حقيقية ونموذجا جديدا، فظهر إهتمام بالغ بتقديم الخدمات الخاصة لمن يعاني من أي إعاقة جسدية، ما جعلهم عنصراً فاعلاً وأساسياً في الحياة الطبيعية.
الصوت الإعلامي للمكفوفين
قبل 16 عاماً قررت مؤسسة ايران الاعلامية الثقافية (التابعة لوكالة أنباء الجمهورية الاسلامية) أن تتخذ خطوة لخدمة المكفوفين إعلامياً، اعتبر الكثيرون يومها أنه من الصعب تنفيذ خطوة كبيرة بحجم نشر صحيفة يومية بخط " البريل" خاصة بالمكفوفين، وبعد جهود كثيفة ولدت الصحيفة اليومية الوحيدة في العالم الخاصة بالمكفوفين تحت عنوان "ايران سبيد" (ايران الأبيض) لتكون جسر التواصل مع قضايا الحياة المتعددة، ويكون لهؤلاء صحيفة تعكس اهتماماتهم، حيث شهد هذا الاجراء اهتماماً واسعاً من جانب الأوساط الثقافية في ايران والعالم خاصة المؤسسات التي تتابع شؤون ذوي الاحتياجات الخاصة والمعوَّقين.
يقول السيد مصيب نعيمي رئيس تحرير صحيفتي "الوفاق" و"ايران" (مؤسسة ايران الاعلامية) إن هذه الصحيفة نشرت بهدف التواصل مع جزء من هذا المجتمع وهم المكفوفون، وإن لهؤلاء الحق في أن تكون لهم نفس الامكانيات التي تتاح لجميع أبناء المجتمع، وخاصة أن الكثير من هؤلاء متميزون في الكثير من الجوانب، حيث يوجد بين هؤلاء مخترعون و علماء وفنانون وكتّاب وأدباء ومختصون في العديد من الامور، كما إن بعض هؤلاء يعملون في مواقع عليا كمستشار وزير ومديرين في بعض الجهات.
ويضيف نعيمي أنه نظراً لهذه الخصوصيات أقدمت مؤسسة ايران الاعلامية على هذه الخطوة الامر الذي واجه اقبالاً كبيراً ويمكن القول إن جريدة "ايران سبيد" هي الصحيفة اليومية الوحيدة بخط "البريل" في العالم، رغم أنه يوجد هناك في بعض دول العالم بعض المنشورات والمجلات بخط "البريل" ولكنها ليست يومية.
وأشار نعيمي أن من ميزات هذه الصحيفة أن معظم عامليها هم من المكفوفين وهم الذين يكتبون ويحللون القضايا ويتابعون الاخبار اليومية العامة والمواضيع التي تهم المكفوفين.
وذكر رئيس تحرير "صحيفة ايران" أن الجريدة تصدر باللغة الفارسية وتوزعها إدارة البريد بشكل خاص ومجاناً على المكفوفين، وهناك طلبات كثيرة للحصول على نسخة من "ايران سبيد" حيث قررنا زيادة عدد النسخ.
ويقول نعيمي انه منذ بدء نشر الصحيفة قد ارتفع عدد المكفوفين الذين يتعلمون خط "البريل" وذلك من أجل قراءة هذه الصحيفة، وإن "ايران سبيد" أصبحت نقطة تواصل بين المكفوفين والمجتمع، حيث تنقل الصحيفة عبر تواصلها مع قرائها شؤون وشجون المكفوفين إلى المسؤولين.
ايران سبيد" في دول العالم
ويشير نعيمي إلى برنامج "مؤسسة ايران الاعلامية" لتوزيع الصحيفة في باقي دول العالم ويقول انه في المرحلة إلاولى سيتم توزيع الصحيفة في الدول التي يتحدثون فيها باللغة الفارسة، منها أفغانستان وطاجكستان ودول أخرى في آسيا الوسطى، إضافة الى أنه سيتم في المرحلة القادمة نشر وتوزيع الصحيفة في دول أخرى، وكما تعلمون أن خط "البريل" هو خط مشترك بين جميع المكفوفين.
وأوضح نعيمي أن هناك خلال زيارات وفود عربية اعلامية من الأردن والكويت وقطر طلبوا منا نقل هذه التجربة لهم، كما تمت اتصالات مباشرة من المسؤولين المعنيين في سلطنة عمان للاستفادة من هذه التجربة الرائدة.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "ايران سبيد": نحن مستعدون لنقل خبراتنا في هذا المجال إلى الدول الاسلامية والعربية.
منبر المكفوفين
أما ميعاد صادقي المدير المسؤول لصحيفة "ايران سبيد" فيقول انه قريباً سيتم انطلاق موقع الصحيفة على الإنترنت،كما إننا نعمل على إصدار النسختين العربية والانجليزية من الصحيفة حيث سنرسلها مجاناً إلى المكفوفين في بلدان العالم مستفيدين من اتفاقيات البريد العالمية.
ويقول صادقي "ايران سبيد" كغيرها من الصحف تمر بمراحل عديدة من تدقيق وطباعة حتى تصل إلى أيدي القارئ، لا بل إن المراحل التي تمر بها أكثر تعقيداً.
ويضيف المدير المسؤول لصحيفة ايران سبيد أنه ورغم اعتمادها على كادر قليل ومكان متواضع ففي جعبة "ايران سبيد" الكثير من الخطط المستقبلية بهدف تطوير عملها وتوسيع دائرة قرائها.
ويشير صادقي إلى أن ما يميز هذه الصحيفة ذات الصفحات الاثنتي عشرة ليس اهتمامها بكافة جوانب الحياة فقط، وإنما مراعاتها لقرائها الخاصين أيضا، وهذا أمر إكتسبته من تجربتها المستمرة منذ ستة عشر عاماً.
مدرسة لخدمة المجتمع
مجيد سرايي يعمل مراسلاً ومحرراً في "ايران سبيد" ويحمل شهادة ماجستير في الالهيات، وبالرغم من أنه مكفوف ولكن هذا الأمر ليس عائقاً في حياته، يقول: "هذه الصحيفة هي مدرسة حيث تخرّج منها العديد من الذين خدموا المجتمع الايراني، وإنني إخترت العمل في "ايران سبيد" لأنني منذ صغر السن كنت أحب النشاط الصحفي، واليوم كبقية المراسلين والصحفيين أعمل في هذا المجال وأقوم بتغطية جميع النشاطات السياسية والثقافية ولا أشعر أن عدم إستطاعتي الرؤية كباقي زملائي يؤثر سلباً على نشاطي، بل إنني بالرغم من فقد حاسة البصر أستخدم جميع أحاسيسي ما جعلني إنساناً دقيقاً في عملي".
ويضيف سرايي أن "الصحيفة تماماً مثل أي صحيفة أخرى، فهي تهتم بالموضوعات المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، ونحن نقوم بجميع النشاطات في هذه المجالات ولكننا نهتم بأخبار المكفوفين على وجه الخصوص والمعاقين على وجه العموم".
ويقول مجيد سرايي إنه يعمل كذلك مع صحف أخرى ويقدم لها الأخبار والمقالات، ويشير إلى أن هناك عددا من زملائه المكفوفين يعملون محررين في بعض المجلات والصحف.
الرسم بالعقول
هم لا يرون العالم كما نحن، هم يرسمونه بعقولهم ألواناً متعددة وضوءاً يبعث الأمل في النفوس ليفرغوا كل ذلك في هذه الصحيفة، أقدم صحيفة للمكفوفين في العالم ولسان حال من يقول: كم من بصير أعمى وكم من أعمى بصير.[/B]