[B]في مختبر جامعة ديوك الذي يضجّ بالحركة، يعمل الدكتور ميغيل نيكوليليس على دمج علم الدماغ بالهندسة في محاولة لابتكار جهاز لا مثيل له: جهاز أطراف اصطناعية يغطي كل الجسم ويسمح للأشخاص المشلولين بسبب حادثة ما بالمشي مجدداً. «لوس أنجلس تايمز» تابعت هذا الاكتشاف.
أعلن نيكوليليس ومجموعة دولية من المعاونين أخيراً، أنهم أزالوا عقبة أساسية كانت تعيق مسار تحقيق هذا الهدف، وأنهم توصّلوا إلى طريقة تسمح بتجاوز شبكة الأطراف العصبية المعقّدة في الجسم وإيصال حاسة اللمس إلى أدمغة القردة.
اليوم، يعمل نيكوليليس ومعاونوه، وهم مهندسون وعلماء أعصاب وعلماء فيزيولوجيا برازيليون وسويسريون وألمان وأميركيون، على تحقيق هدف موضوعي ألا وهو: إلباس شاب مشلول بدلة الأطراف الاصطناعية لتمكينه من الوصول إلى نصف الملعب والإعلان عن افتتاح بطولة كأس العالم في كرة القدم التي ستقام في عام 2014 في البرازيل.
أطلق نيكوليليس، طبيب وعالم أعصاب برازيلي الأصل ذو نزعة إلى تصحيح الأشياء المعطّلة، على هذا الهدف تسمية «الاكتشاف الثوري البرازيلي». على غرار الاكتشافات الثورية السابقة، استعان نيكوليليس وفريقه بقردة لا بل بقردتين اثنتين تُدعيان «مانغو» و{نكتارين» لإجراء التجارب عليهما قبل إجرائها على الإنسان.
أظهر أحدث اختبار أجرته المجموعة العلمية التي لا تبغي الربح المادي أنه بالإمكان إرسال الرسائل الكهربائية مباشرة إلى أدمغة القردة بطريقة فاعلة تسمح للقردتين التمييز بين ثلاث حلقات متشابهة من خلال «تحسُّس» ملمسها المختلف افتراضياً.
لا تتأتى هذه الأحاسيس من أصابع الحيوانات إنما من تيارات كهربائية مشفّرة خصيصاً لتصل مباشرة إلى القشرة الحسّية من دماغ كل قردة بواسطة أربعة خيوط بسماكة الشعرة.
على رغم أنه من غير المعروف ما إذا كان ملمس إحدى الحلقات خشناً وملمس الأخرى ناعماً بنعومة الزجاج، إلا أنه لوحظ أن كلاً من مانغو ونكتارين تعلّمتا بسرعة التمييز بين الحلقة والأخرى وإتمام المهمة والحصول على جائزتيهما وهما عبارة عن رشفتي عصير.
ردود فعل حسية
كانت مجلة Nature قد تطرّقت إلى هذا الاختبار في دراسة نشرتها أخيراً. بالنسبة إلى شخص تعرَّض حبله الشوكي لإصابة خطيرة، فإن إرسال مثل هذه التيارات المنتظمة من المعلومات الكهربائية قد لا يساعده على استرجاع القدرة على تحسّس الأشياء فحسب، إنما قد يزوِّد من يمشي بواسطة الأطراف الاصطناعية بردود فعل حسّية تسمح له بالتنقّل في مناطق يجهلها وفي تفادي المخاطر مثل المسطحات الساخنة (الحرارة) وتلك المسبِّبة للانزلاق.
ارتكزت جهود الفريق الأخيرة على إنجاز حقّقه في العام 2003: تعليم القردة كيفية تحريك مؤشر ومّاض وإيصاله إلى الأهداف المحدّدة المرسومة على شاشة كمبيوتر باستخدام الفكر وحده.
في اختبار آخر، كُشف عنه للمرة الأولى عام 2008، بيّن فريق عمل نيكوليليس في جامعة ديوك أن القردة قادرة على تعلّم تحريك الأشياء باستخدام أنماط فكرية محدّدة والتحكّم بجهاز روبوتي موجود في مختبر ياباني للروبوتات وجعله يتحرّك فور إصدار الأوامر له.
كان هذا الاكتشاف العلمي بمثابة حافز على ابتكار جهاز مؤلّف من أطراف اصطناعية يتحكّم به شخص لا يستطيع أن يحرّك إرادياً القسم السفلي من جسمه الذي يبدأ من العنق. وقد أسهمت إضافة ردود الفعل الحسية التي تم التوصّل إليها اليوم، في زيادة قدرة الإنسان المشلول على التحكّم بجسده وفي جعل عملية المشي المعقّدة ممكنة بالنسبة إليه.
كذلك حظي هذا الاكتشاف بثناء البروفيسور في علم الأعصاب بروس فولب الذي يحاضر في كلية الطب التابعة لجامعة ويل كورنيل والذي لم يشارك في المشروع العلمي الأخير الذي أطلق عليه العاملون فيه تسمية Walk Again Project. فوصفه بـ{الاستخدام المميّز للمعلومات الحسية الذي يفتح آفاقاً جديدة» أمام المرضى الذي فقدوا القدرة على الحركة وعلى الشعور بسبب تعرُّضهم لإصابة أو لمرض ما.
يقول فولب الذي يعمل راهناً على دراسة وتطوير أجهزة التدريب الروبوتية التفاعلية المخصّصة لإعادة تأهيل المصابين بمثل هذه الحالات، إنه غالباً ما يواجه المرضى الذين يتعرّضون لإصابات بالغة أو لسكتة دماغية صعوبة في التعافي بسبب «المعلومات الحسية المكتظة وغير المتجاوبة أو المنعدمة» التي تصل إلى أدمغتهم.
يضيف فولب: «تقدِّم هذه البيانات خيارات جديدة لتوليد هذه المعلومات الحسية المفقودة والإبلاغية على نحو كبير».
Walk Again أحد المشاريع الهادفة إلى تحسين الحركة وتصحيح الأنسجة المتضرّرة لدى الأشخاص الذين تعرّضوا لإصابة خطيرة في الحبل الشوكي. ومع أن القسم الكبير من هذا العمل قد تركّز على استعمال الخلايا الجذعية لإعادة تصنيع العصب والألياف العضلية، إلا أن التقدّم العلمي الذي شهده علم الأعصاب قد بيَّن أن «الأطراف الاصطناعية العصبية» مجال مثير للاهتمام.
مرونة الدماغ
في هذا الإطار، يشير عالم الفيزيولوجيا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس الدكتور ف. ريجي، الذي لم يشارك في أبحاث نيكوليليس إنما كان أحد أوائل من استعمل المحاكاة الإلكترونية لإثارة الحركة لدى المرضى المشلولين، الى أن مرونة الدماغ الفطرية وقدرته على تلقّي الإشارات الكهربائية وتعلّم تفسيرها تجعلان المقاربات العلمية التي تشبه مشروع Walk Again واعدةً على نحو كبير.
في الإطار عينه، يعتبر كيب لودييغ الذي يدير برنامج تأهيل إمكانات الدماغ في المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتات القلبية الذي كان موّل بعضاً من أعمال نيكوليليس، أنه على رغم أن المعلومات التي أرسلت إلى دماغ القردتين في مختبر نيكوليليس لم تكن دقيقة، إلا أن التجارب أظهرت أنه «يمكن الدمج بين ردود الفعل الحسّية وأجهزة التحكّم بالدماغ في اللحظة نفسها وبصورة فاعلة». يضيف لودييغ: «طالما كان يتم الفصل بين ردود الفعل الحسية وأجهزة التحكّم بالدماغ. يتمثّل الهدف الطويل المدى الذي يصبو إليه العلم في ابتكار أطراف اصطناعية قادرة على إرسال المعلومات الحسية كافة، مثل اللمس والوضعية والحرارة، إلى الذراع خلال أدائها حركة ما مثل شرب فنجان قهوة. إنها خطوة مهمة، إلا أن ثمة كثيراً من العمل لا بدّ من إنجازه».
خلال عرض الفائدة التي تقدّمها اكتشافات فريق عمل نيكوليليس للكائنات غير البشرية، قال الأخير إن الفريق بدأ بمقاربات بسيطة في أساسها. وأضاف أنه عندما سينتقل مجال البحث إلى الإنسان، لن يصبح باستطاعة الرجل أو المرأة التعلّم بسرعة كيفية بدء الحركات وتكرارها من خلال استعمال الفكر فحسب، إنما سيسمح الطرف الاصطناعي الذي يتفاعل بسلاسة مع الدماغ البشري الذكي للإنسان بالتأقلم معه واعتباره امتداداً طبيعياً له.
ختم نيكوليليس: «نحاول تأمين جسد جديد للمريض، ونعتقد بأن دماغه سيعتبر هذا الجسم الجديد جزءاً لا يتجزأ من كيانه».
[/B]