[B]
كانت طفولة هنادي جاسم العماني كباقي الأطفال المبصرين تشع حيوية وبراءة وشقاوة. درست في المدارس الحكومية العادية بدءا بالروضة ومرورا بالمرحلة الابتدائية وحتى المتوسطة، إلا أنها التحقت بمدرسة خاصة بالمكفوفين في المرحلة الثانوية عندما فقدت بصرها، وحافظت على تفوقها في جميع المراحل.
وبعد أن تخرجت من الثانوية العامة بتقدير عال، قررت أن تتجه إلى تخصص لم يلتحق به غيرها من المكفوفين في الكويت، فالتحقت بكلية الحقوق بجامعة الكويت. عانت كأقرانها من المكفوفين من عدم توفر مراجع مطبوعة بطريقة برايل، ولكنها تغلبت على هذه المشكلة بمساعدة أهلها حيث كانوا يقرؤون الكتب ويسجلونها على أشرطة ومن ثم تقوم هي بكتابتها بطريقة برايل، الأمر الذي انطوى على مشقة عظيمة لكبر وضخامة الكتب، وعدم مراعاة الأساتذة للجهد الذي كانت تبذله وعدم تقديمهم المساعدة أبدا، إلا أنها نجحت في شق طريقها نحو التخرج والتفوق.
بعد التخرج، تدربت في مجال المحاماة لفترة من الزمن، ثم حصلت على وظيفة في إدارة مدارس التربية الخاصة كباحثة إدارية لعدة سنوات، انتقلت بعدها إلى مطبعة النور للعمل كمدققة برايل، وهناك تم ترشحيها لمنصب رئيسة المطبعة والتي ما زالت ترأسها حتى اليوم.
شعرت هنادي بصدمة كبيرة عندما فقدت بصرها ولكنها صمدت بمساندة والدها وأسرتها الذين تمكنوا من مساعدتها على تخطي الصعاب ووقفوا بجانبها وساعدوها على مواجهة الحياة الجديدة التي كانت تنتظرها، فقد كانوا خير معين لها في تنقلاتها وأسفارها للعمل وغيره، كما أنهم زرعوا الثقة في نفسها من جديد وكانوا سبب إشراق الأمل في حياتها الذي انطفأ بفقدها بصرها. وأيضا كان لجمعية المكفوفين الكويتية والجمعيات الأخرى الإقليمية والدولية دور في اندماج هنادي بعالم المكفوفين ودخول ذلك العالم الذي كان جديدا بالنسبة لها، حيث أحست بأنها ليست الوحيدة التي فقدت بصرها في هذا العالم، فتعلمت الاعتماد على النفس وحرية إبداء الرأي وإدارة النقاشات والقيادة وأنشأت العديد من العلاقات مع المكفوفين في شتى الدول العربية وغيرها، كما ومثلت بلادها الكويت في مؤتمرات عديدة خاصة بالمكفوفين والمرأة في الهند والأردن وسوريا والبحرين، وغيرها من الدول.
وقد تمكنت هنادي من تبوء العديد من المناصب والمراكز القيادية، ومنها: نائبة رئيس لجنة الحاسوب بجمعية المكفوفين الكويتية في الفترة من 2002- 2006، ونائبة رئيس لجنة المرأة بجمعية المكفوفين الكويتية في الفترة من 2004- 2006، رئيس لجنة المرأة للشرق الأوسط في الاتحاد الآسيوي، وعضو بالهيئة التنفيذية في الاتحاد الآسيوي للمكفوفين ومندوبة دولة الكويت إليه، وممثلة الشرق الأوسط في الاتحاد العالمي للمكفوفين، وعضو اللجنة الفرعية لتقييم الأجهزة التعويضية بالمجلس الأعلى للمعاقين بدولة الكويت، ومدربة دولية في مجال استخدام الحاسوب للمكفوفين.
كما وحصدت هنادي العديد من الجوائز، ومنها حصولها مرتين على "جائزة الماس لذوي الاحتياجات الخاصة) التي تنظمها (مؤسسة مشاريع الخير) الجناح الخيري لمجموعة مشاريع الكويت القابضة (كيبكو).
أما على الصعيد الرياضي، فقد حصلت هنادي على العديد من الجوائز والميداليات، كحصولها على الميدالية الذهبية في مسابقات ألعاب القوى ببريطانيا، وحصولها على المراكز الأولى في لعبة تنس المكفوفين في عدة بطولات، وحصولها على المركز الثالث في سباق المشي الذي نظمه البنك الوطني بدولة الكويت.
وأخيرا حصولها على المركز الثالث في مسابقة الخرافي السنوية لحفظ القرآن الكريم.
أما عن هواياتها، فهنادي تهوى العمل على الحاسوب واستكشاف ما هو جديد في هذا العالم، والقراءة، ولعب التنس الخاص بالمكفوفين، والسباحة والسفر وكتابة الخواطر، والاستماع إلى الشعر.
أما عن التكنولوجيا وأثرها في حياتها، فتقول هنادي:
"عندما انتقلت إلى مطبعة النور علمت أن هناك أجهزة حاسوب خاصة للمكفوفين، تعرفت عليها من خلال معهد الكويت للأبحاث العلمية. ثم بدأت أعمل معهم لبرمجة هذه الأجهزة وتعريبها، وتعلقت بها كثيرا وأحببتها إلا أنها لم تكن لتغطي كل ما نحتاجه من الكمبيوتر، فبدأت أبحث مليا عما يساعدني في استخدام الكمبيوتر بشكل أكبر وأوسع. وقد ساعدني المعهد أيضا وأرشدوني لاستخدام برنامج جاوز وهو برنامج ناطق يقرأ النصوص باللغة الإنجليزية التي تظهر على الشاشة.
اقتنيت في البداية نسخة منه وبدأت باستخدامه بمفردي وتعلمت على الكمبيوتر من خلاله، إلا أنه كان مقتصرا على اللغة الإنجليزية. وبعد فترة بدأت أبحث عن برنامج يدعم اللغة العربية حتى وجدت برنامج إبصار وبدأت باستخدام هذا البرنامج. ولتميزي باستخدامه طلبت مني شركة صخر أن أتطوع معها كمستخدم مجرب لجميع برامج المكفوفين لديها، وبمرور الزمن ولله الحمد أتقنت استخدام جميع البرامج الخاصة بالمكفوفين وحصلت على عدة دورات فيها، كما حصلت على عدة دورات في نظام التشغيل من معهد انفوسنتر، والذي قدم لي عدة دورات أخرى تشجيعا لي. كما وقدموا لي، بالتعاون مع شركة مايكروسوفت، دورات خارج دولة الكويت. بعد ذلك قررت أن أطلق موقعي الذي صممته بنفسي على شبكة الانترنت والذي قدمته لي شركة فاست تيليكوم تشجيعا لي. ولم أكن لأكتفي بهذا الحد، فكنت كذلك أفك الجهاز واستكشف ما به من قطع وأحاول أصلحها إن تلفت أو أبدله."
أما بالنسبة للتطوع في حياة هنادي، فقد تطوعت بلجنة الحاسوب بجمعية المكفوفين الكويتية عند إنشاءها للعمل كمدرب حاسوب للمكفوفين وحاليا مدرب حاسوب في مركز الصباح للتنمية المعلوماتية التابع لجمعية المكفوفين الكويتية. كما وتطوعت قبلها مع عدة شركات داخل وخارج الكويت في مجال برامج المكفوفين، كتطوعها لاختبار الإصدارات الجديدة لبرامج الكمبيوتر الحديثة لعدة شركات عالمية منها شركة صخر، وشركة برايل هاوس. كما انضمت إلى اتحادات المكفوفين والمعاقين وتطوعت للعمل معهم وأحبت هذا المجال، ودائما ما تشعر بالسعادة عندما تنجح ويستفاد من أي عمل تقدمه.
تطمح هنادي لإتاحة الفرصة لجميع المكفوفين لإثبات وجودهم واستخراج الطاقات المدفونة لديهم وتتمنى إزالة نظرة الشفقة والعطف من المجتمع اتجاه المكفوفين. وتتمنى من جميع الدول الاهتمام بالمعاقين والإنفاق على مشاريع تنميتهم خصوصا الدول الغنية، فالمعاق ليس من فقد أي عضو من أعضائه أو من فقد حاسة من الحواس إنما المعاق هو من لا يطور نفسه وقدراته ولا يستثمر ما أنعمه الله عليه من مواهب وقدرات.
[/B]