[B]هو من أنصار السمع، كما يصفه الكثيرون، إرادته وطموحه لتحقيق إنجاز أولي وعالمي في المجال السمعي ورفع اسم بلده الكويت عالياً، دفعاه إلى أعالي المجد وتحقيق حلمه، رسالته في الحياة قائمة على تحدي الصعاب وكسر حاجز الإعاقة، انطلاقاً من إيمانه بمقولة «لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة». قصته تمثل منارة أمل تنير لنا طريق الظلام في بحر اليأس، وطبيعته لا تختلف عنها كثيراً، فهي عنوان للخروج عن المألوف، حيث أثبت أن الابتكار أو الإبداع غير مقصور على الأسوياء، بل هو امتداد لأقرانهم من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
إنه عبد الرحمن غرير العدواني صاحب فكرة ومؤسس أول جريدة سمعية للمكفوفين على المستويين المحلي والعالمي، تحت عنوان «الرؤية السمعية».
القبس التقت العدواني، الذي انتقد محدودية وظائف المعاقين، خصوصاً من ذوي الإعاقات البصرية، وعدم تناسبها مع مهاراتهم وقدراتهم. ووصف قانون المعاقين الجديد بأنه حبر على ورق، مطالباً بالاستمرار في تطبيقه، حتى لا يظل حبيس الأدراج. وحول مشروع الجريدة السمعية، أشار العدواني إلى أنه إنساني غير ربحي أو تجاري، قائم على توفير حاجة إنسانية ملحة لذوي الاستماع من المبصرين والمكفوفين، مؤكداً أهمية تعزيز وتثقيف الجانب السمعي والإلمام بجميع الأحداث والمجريات الجارية، سواء في المجتمع الكويتي أو المجتمعات الأخرى المحيطة، موضحاً أن ذلك كان من أهم الدوافع التي دفعته لابتكار وانطلاق هذا المشروع، وتنفيذه فعلياً على أرض الواقع. وأضاف العدواني في لقائه مع القبس أن طبيعة عمل الجريدة السمعية قائم على تحويل الصادر من الصحف اليومية المقروءة إلى مسموع، لافتاً إلى آلية الاشتراك واستحداث طبيعة التوصيل التي تختلف عن الصحف المقروءة باستخدام الـ «فلاش ميموري» القارئ الإلكتروني، ويتم استبدالها بشكل يومي. وتطرق إلى الأهم المراحل، وكيفية إصدار الجريدة، من حيث الموظفين المنوط بهم مهمة القراءة الكاملة، لجريدتين من الجرائد المحلية اليومية، بالإضافة إلى التسجيل الذي يتم عبر استديو مخصص لتسجيل المادة الصوتية والمونتاج، من خلال تنقية الأصوات المسجلة، فضلاً عن التوزيع المباشر من دون تسويف أو تعطيل. وكشف عن مشروع مستقبلي حول إنشاء موقع إلكتروني سمعي خدماتي، يقدم عن طريقه الجريدة السمعية المضافة إلى خدمات الموقع، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
• في البداية، حدثنا عن فكرة مشروع الجريدة السمعية؟
ــــ هو مشروع إنساني غير ربحي وغير تجاري، ضمن مشاريع مؤسسة الإنتاج الفني الخاصة بي، وهو قائم على بناء وتوفير حاجة إنسانية سامية للفئات السمعية، في المجتمع، ومن بينها شريحة المكفوفين بشكل خاص. وتعتمد فكرة الجريدة السمعية على تحويل ما هو مكتوب في الصحف الكويتية اليومية المقروءة إلى مسموع، حتى يتيح للراغبين من المكفوفين أو محبي السمع الاستماع إلى الأخبار بكل حرية ويسر، تحت شعار «الرؤية السمعية».
سبب الفكرة
• من أين استلهمت هذه الفكرة؟
ــــ الفكرة نبعت عندما حدثت أمور وأحداث في الساحة الكويتية لم أحط بها علماً، وبعد تفكير عميق وجدت أن هذه الجريدة هي الحل الأمثل للتواصل مع المجتمع الذي أعيش فيه، والإلمام بالأحداث الجارية، وفي الوقت ذاته أوفر لي ولأمثالي من المكفوفين في المجتمع خدمة الأخبار اليومية الصادرة في الجرائد المحلية، بحيث يستخدمها المرء في استعلام أو نقل معلومة قد يحتاجها في المستقبل أو في الوقت الراهن.
إلى جانب هذا تولدت لدي هذه الفكرة انطلاقا من الحاجة الإنسانية الملحة فحرصت على تطويرها وتطبيقها.
دعم
• هل تلقيتم أي دعم مادي أو معنوي؟
ــــ نعم، والجانب المعنوي هو الغالب، فلا يفوتني أن أذكر دعم الأهل والأصدقاء منذ البداية وتشجيعهم المتواصل على الاستمرار والعطاء من دون توقف إلى جانب مبادرتهم بتقديم الدعم المادي.
وفي ما يتعلق بالدعم المادي من قبل الجهات المختصة والمسؤولين، فنأمل أن نجد دعما لهذه الفكرة من أجل الاستمرارية والمصلحة العامة وليس للربح الذاتي أو التجاري، فمن المعروف أن أي فكرة شبابية ابتكارية دائما ما تحظى باهتمام النخبة الكويتية من رجال وسيدات الأعمال والمهتمين بهذا الشأن.
صعوبات
• ما أهم الصعوبات أو العراقيل التي واجهتك؟
ــــ من أهم الصعوبات مسألة استخراج الرخصة التجارية، وخصوصا لأنني من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن شريحة المكفوفين، فكان وجود الشخص المعين لي أمراً ضرورياً في سبيل إنجاز معاملتي على أكمل وجه وفقاً لشروطهم، وهذا يعرقل الوقت والمال والجهد مقابل تخليص المعاملة، كما أن القانون يتيح لي أن استخدم جميع ما أملك بحرية تامة، كما أنني اعتبر أن وجود شخص معاون لي أمراً مزعجاً ومجحفا، لأنه يعرقل العمل كما أنه يقلل من شأن مقدم الطلب، ولاسيما أنني حينما أقدمت على طلب الرخصة كنت في كامل الأهلية والعقلية لأني أفضل الاعتماد على النفس.
إلى جانب ذلك، ثمة صعوبات أخرى واجهتني ولكن سرعان ما تجاوزتها، على سبيل المثال طبيعة العمل ومقره والانطلاقة وكيفية تطبيقها بحذافيرها، فضلاً عن طبيعة التوزيع ونشره، فكلها أمور مكتبية ولكنها تحتاج إلى مجهود مضاعف.
أهداف
• ما أبرز الأهداف التي يسعى المشروع إلى تحقيقها؟
ــــ قبل الخوض في الحديث عن الأهداف أود أن أنوه إلى أن المؤسسة بنيت على أساس إنساني وتوفير حاجة ورغبة واحتياجات سمعية، بالإضافة إلى تحقيق أهداف عدة في مقدمتها تحقيق إنجاز أولي في المجال السمعي وإنجاز عالمي لبلدي الحبيب الكويت كأول جريدة سمعية على مستوى الوطن العربي والعالم، بحيث تضع الكويت في خانة الصفوة المتميزة التي تسعى إلى تحقيق الأفضل والأسمى في المجال الإنساني، ثانياً تثقيف وتعزيز المستوى السمعي وتحسين مهارات السمع والإنصات، بالإضافة إلى إحاطة ذوي الاحتياجات الخاصة وشريحة المكفوفين على وجه الخصوص، بالأمور والأحداث والمجريات التي تدور سواء في المجتمع الكويتي أو المجتمعات الأخرى.
آلية عمل الجريدة
• حدثنا عن طبيعة وآلية عمل الجريدة السمعية؟
ــــ طبيعة عمل الجريدة السمعية مثل أي جريدة مقروءة، تتناول جميع أنواع الأخبار المختلفة باستثناء الدعايات والإعلانات التجارية، كما أن لها اشتراكات للراغبين في توفير هذه الخدمة، سواء اشتراكات شهرية أو نصف سنوية أو سنوية، ولكل فئة وفق قيمتها المالية، على أن تصل الجريدة يومياً للمشترك ويتم توصيلها باستخدام «الفلاش ميموري» الذي عن طريقه يستطيع المشترك سماع الأخبار والمعلومات المتوافرة في الجريدة المقروءة، وبعد ذلك يتم استبدال الفلاش بآخر جديد، وبهذا تكون المادة جاهزة للاستماع إليها.
كما يتم تزويد المشتركين بصندوق يعبر عن الجريدة السمعية ويحمل شعارها بحيث يحصل من خلاله على الفلاش ميموري «القارئ الإلكتروني» وبرسوم رمزية في متناول الجميع.
إنتاج
• هل لنا من نبذة تعريفية عن كيفية إنتاج جريدتكم؟
ــــ الجريدة السمعية تمر بعدة مراحل ليتم إنتاجها، في البداية هناك أشخاص معينون يتولون مهمة قراءة الجرائد اليومية المحلية من الألف إلى الياء، حيث يتم اختيار اثنين منها، وفقاً لقدرة فريق العمل الذي يمثل القلب والرجل الواحد في إنجاز هذه العمل من دون توقف، ومن ثم تأتي مرحلة التسجيل التي يتم فيها تسجيل المادة الصوتية في استديو مخصص لها في مقر مؤسسة الرؤية السمعية، ومزود بتقنية حديثة من الأدوات، وتليها مرحلة المونتاج التي تتم خلالها تصفية الأصوات المسجلة، وأخيراً مرحلة التوزيع، حيث تصل الخدمة عن طريق الفلاش ميموري الذي يضم المادة الصحفية، ويصل إلى المشترك مباشرة من دون تعطيل أو تسويف.
عدد الموظفين
• ماذا عن عدد الموظفين؟
ــــ يعمل في الجريدة السمعية حوالي أربعة موظفين ممن تم تأهيلهم في دورات تدريبية وورش عمل مكثفة لمدة شهرين لتطبيق الفكرة عملياً على أرض الواقع، علماً بأن هذا العدد قابل للزيادة سواء من الأسوياء أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو أحد الطموحات التي أسعى إليها مستقبلاً لتوفير فرص وظيفية لهذه الفئة، سواء في الإعداد أو الإخراج أو الإذاعة.
شروط الانضمام
• هل توجد شروط معينة للانضمام إليكم؟
ــــ من أهم الشروط التي يجب أخذها بعين الاعتبار أن المتقدم عليه أن يتمتع بملكة صوتية إذاعية جيدة ومدربة على فنون الإلقاء والتحدث، بحيث يجعل المستمع يحسن الإنصات إليه، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون لائقا في مسألة القراءة على نحو متميز، فليس كل شخص يتمتع بهذه الخاصية.
تضافر الجهود
• برأيك ما الذي ينقص ذوي الإعاقات البصرية في المجتمع الكويتي؟
ــــ أعتقد أن النقص يكمن في الاهتمام بهذه الفئة من قبل المسؤولين أو المؤسسات المعنية وحتى الأفراد، مما يحتاج إلى تضافر الجهود والعطاءات والطاقات في سبيل تجاوزها، فالإعاقات البصرية ليست بسيطة، ولكن عطاءها كبير كما لا يمكن أن أحكم على فئة المكفوفين من دون تطبيق منهجية معينة عليهم، فعلى سبيل المثال طبيعة الوظائف قبل ثلاثين عاما مختلفة عن تلك المتاحة في الوقت الراهن، حيث إنها زادت في ظل وجود التكنولوجيا التي تتيح لهم الدخول في مجالات عدة من دون الاقتصار على مجال واحد. ونستطيع أن نقول بصورة أوضح أن المعاق بصرياً قادر على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بجميع أنواعها، سواء الكمبيوتر أو الموبايل أو حتى الآلة الحاسبة، كما أنه يستطيع الدخول إلى الشبكة العنكبوتية بيسر وتوظيف مهاراته التي يملكها في سبيل تحقيق الأنسب والأفضل لطبيعة العمل.
مشاريع
• ماذا عن مشاريعكم المستقبلية؟
ــــ تعزيز الجانب السمعي لدى المستمع، سواء من الأسوياء أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، لاسيما شريحة المكفوفين، يعد من أهم المشاريع التي أرنو إلى تحقيقها، إلى جانب إنشاء موقع إلكتروني سمعي خدماتي، حيث سيكون من النوادر الإلكترونية في الشبكة العنكبوتية وهو عبارة عن موقع صوتي بأسلوب برمجي خاص يقدم عن طريق الجريدة السمعية المضافة إلى خدمات الموقع.
كما أن هناك مشاريع أخرى فرعية من خلال الموقع الإلكتروني مثل الإذاعة السمعية بهدف تعزيز الجانب السمعي، إضافة إلى توفير منبر لذوي الاحتياجات الخاصة للمشاركة بإبداعاتهم.
عوامل النجاح
سلط عبدالرحمن العدواني الضوء على أهمية تكامل الدعم الأسري والشخصي، فضلا دعم الأصدقاء له سواء كان ماديا أو معنويا، وحثهم له على مواصلة مسيرته في تنفيذ المشروع، معتبراً أن ذلك من أهم العوامل التي ساعدته على تحقيق النجاح وإنجاز المشروع.
مراحل المشروع
أوجز العدواني أهم المراحل التي مر بها المشروع بدءاً من الحاجة وانتقالاً إلى بزوغ الفكرة وتطبيقها على أرض الواقع، فضلاً عن استخراج الرخصة التجارية والمستلزمات اللازمة وتجهيز الموقع المناسب، علاوة على جلب العمالة وتدريبها على طريقة القراءة والإلقاء والتحدث وكيفية التحكم بالصوت، من خلال توفير ورش العمل المكثفة لهم، وصولاً إلى تشغيل الجريدة السمعية تجريبياً تمهيداً لانطلاقها رسمياً.
إذاعة الكويت.. الجانب الآخر في حياتي
قال العدواني: تعد إذاعة الكويت من الإذاعات المفضلة لدي، فهي لها طابع مميز بالنسبة لي، حيث انها تمثل بوابة دخولي إلى عالم الاستماع، كما أنها عززت لدي مهارات وخبرات، بل وقدرات في مجال الاستماع وفنون الإذاعة، الأمر الذي أسهم في تسخير هذه الخبرات لخدمة فئة المكفوفين، حيث شاركت في إعداد موجز للتقارير اليومية المفصلة لأحد البرامج.
تكنولوجيا الحاسوب
«لم يكن الابتكار أمراً جديداً أو وليد اللحظة في حياتي»، هذا ما كشف عنه العدواني خلال حديثه، قائلا إنه ابتكر طريقة جديدة خلال فترة دراسته الجامعية كانت من مفاتيح النجاح له ولأمثاله من المكفوفين، حيث كانت المقررات الدراسية عادية، مما شكل صعوبة له في مواصلة مسيرته الدراسية، وتعتمد الفكرة على نقل المحتوى الدراسي وتحويله بشكل مطبوع بواسطة تقنية الحاسوب إلى محتوى صوتي، باستخدام نوافذ ناطقة تسمى «قارئات الشاشة»، لافتاً إلى أنها كانت مكلفة له للغاية في بداية الأمر، غير أنه بعد مرور سنتين من انتشار الفكرة تكفلت الجامعة بحل جزئي من خلال دفع تكاليف الطباعة.
إصدار باللغة الإنكليزية
قال العدواني: نظرا لأن المشروع مازال في بدايته وبإمكانات محدودة، وقد انطلق من مجتمع عربي فسيكون إنتاجنا مقتصرا على اللغة العربية، وبعد أن نتأكد من انطلاقتنا ووصول الخدمة لمشتركيها واستفادتهم منها، حينها سنفكر بجدية لتوسيع رؤية المشروع ودعمه بكل ما ينقصه ويرفع من كفاءته وانتشاره، خاصة فكرة الإصدار باللغة الانكليزية.
وظائف المعاقين تقليدية.. إلى متى؟
انتقد العدواني الوظائف المتاحة للمعاقين في الوقت الحالي ووصفها بـ«المحدودة والتقليدية»، مؤكدا أن هذه الفئة بحاجة إلى بيئة عمل جديدة مختلفة عن تلك المعروفة، ولاسيما مع تطور مهاراتهم وإمكاناتهم.
القانون الجديد
في معرض رده حول تقييمه لقانون المعاقين الجديد، أكد العدواني أن القانون عبارة عن «حبر على ورق»، مطالباً باستمرار تطبيقه حتى لا يظل حبيس الأدراج.
أول مرة
أشار العدواني إلى أن جميع الأمور التي تتعلق بالمشروع تحدث للمرة الاولى، موضحا أن الفكرة هي الأولى من نوعها سواء في الكويت أو في الوطن العربي، وقد تكون الأولى أيضا عالمياً، كما أن أسلوب وطريقة تنفيذها وتسجيلها في الحقوق الفكرية تعد المرة الاولى أيضا، بالإضافة إلى كونه من أوائل الشباب الكويتيين من فئة المكفوفين الذين اقتحموا مجال التجارة والأعمال.[/B]