[B]
كثيرة هي التساؤلات التي واكبت العمل الإعلامي في تونس عقب الثورة حول مشاركة المعوقين في مجريات الاحداث ومدى مشاركتهم في الحراك الثوري الذي انخرطت فيه مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية والنقابية التونسية. وتزامنا مع الأسئلة المتكررة حول مشاركة المعاقين في الثورة كمواطنين انطلقت حملات أخرى على أعمدة الصحف تكشف بالوثائق تورط بعض جمعيات المعوقين في العمل السياسي المنحاز للسلطات الدكتاتورية إبان العهد البائد في تونس. ولعل ابرز الجمعيات التي نالها النقد والانتقاد بالوثائق والحجج نجد جمعية بسمة للنهوض بتشغيل المعوقين التي كانت ترأسها ليلى الطرابلسي زوجة زين العابدين بن علي الرئيس المخلوع، والاتحاد الوطني للمكفوفين الذي تورط في مسائل سياسية خطيرة متصلة بالتعتيم على سياسة النظام في مجال حقوق الإنسان،. وقد وجدت هذه الجمعيات نفسها في حالة إرباك قصوى نتيجة ارتباط قادتها المبالغ فيه بالنظام السياسي المنحل.
المعوقون التونسيون في قلب الثورة التونسية ومن أبرز صناعها.
لعلنا نذكر جيدا التغطية الحصرية التي قمنا بها لثورة المكفوفين ضد الاتحاد الوطني للمكفوفين والتي انطلقت يوم 19 جانفي واستمرت حتى هروب رئيس الاتحاد ومكتبه التنفيذي وصولا إلى عقد المؤتمر الوطني الخارق للعادة والذي تمخضت عنه قيادة شابة لا يزال أداؤها هي الأخرى محل متابعة من قبل المجتمع ومكوناته وسيخضع للتقييم في الأشهر القادمة من قبل عموم المكفوفين والشارع التونسي المهتم بهذه القضايا الاجتماعية ، ولعل حراك المكفوفين يعكس بكل جلاء وقوف المكفوفين في تونس إلى جانب القوى الفاعلة في ثورة الكرامة ونزولهم إلى الشارع للتظاهر مع كافة أطياف الشعب التونسي صانع الربيع العربي وقد بثت شبكات التواصل والوسائل الإعلامية مشاهد عن المظاهرات التي شارك فيها الكفيف التونسي وخاصة أعضاء الهيئة الانتقالية للاتحاد قبل المؤتمر ومنهم بالخصوص السيد الشاذلي الرياحي وعبد الله العيادي والسيدة كلثوم بن زاكور وغيرهم كثير ممن تعرضوا للمسائلة الأمنية قبل الثورة من قبل البوليس السياسي وكانوا بحق صناع الثورة العارمة الخاصة بالمكفوفين ، كما مارس الشباب المكفوفين في جانب مستقل نضالا مريرا من اجل الكرامة وتحقيق مطالب الكفيف وخاصة التشغيل والإدماج في المسار المهني ومنهم نذكر خاصة علي العويني وعلي علي وحسام لعبيدي وحصني العثماني وغيرهم ممن اعتصموا في الشارع الرئيسي للجهة التي تظم مقار وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والوزارة الأولى ومقر الحكومة المؤقتة وساحة القصبة.
فاقدو السمع في قلب الحدث مع الثورة التونسية
وعلى خلاف بقية الجمعيات التي ظلت صامتة ومنهكة ومرتبكة ومتحسرة على أفول نجم بن علي المخلوع فإن جمعية التنشيط الثقافي لفاقدي السمع بمدينة سوسة الساحلية كانت السباقة لإعلان انخراطها في ثورة الكرامة من خلال بيان ثوري ممتاز وقع نشره على نطاق واسع وهو البيان الذي ترجم بحق انخراط المعوقين التونسيين في حركة الثورة الرائعة التي قادت تونس نحو الديمقراطية التي ستكرس بعد انتخابات المجلس التأسيسي المقرر ليوم 13 أكتوبر القادم. وقد جاء في بيان جمعية فاقدي السمع فرع سوسة ما يلي :
بعد نجاح ثورة الشباب، وبعد أن سالت دماء الأطهار من شباب الثورة قررنا التحول من الضمير الفردي إلى الضمير الجماعي لشباب المعاقين لمساندة شباب الثورة في الصمود تجاه أي محاولة تُــزايد علي الهدف النبيل الذي من أجلــه قامت الثورة وهو إسقاط النظام بكافة رموزه، فكل تونسي على أرض هذا الوطن ظل يَئنُ في سكونٍ حتى كسرتم حاجــــــز الصمــت وحاجز الخوف، لقد شاركناكم في المعاناة من هذا النظام .
وسنشارك معكم في تحقيق حلم الكرامة لكل تونسي سلبه النظام حريتـــــه و كرامته ، فلقد أيقظتم الضمير الوطني الذي غاب وسُحق تحت وطأةِ الفقـر و المرض و الجهل ، تلك الأمور التي تقتلُ الأملَ في وطنٍ يحقق الكرامــــة لأصحابه الحقيقيين، لقد سجنوا حتى الحلم بداخلنا سحقوا همما و غَرَّبـُـــوا عقولا وأفسدوا كل شيء إلا حبُ الوطن.
والآن نطالب معكم بحقنـا في الكرامة ، بحـق كل مصـاب و جريح، بـدم الشهداء و الشرفاء من أبناء الوطن، فنشارك معكم لأن هدفكم هو هدف كل تونسي يَغارُ على وطنه، وشعورا منا بظلم مضاعف عانينا منه كفاقدي سمع بسبب هذا النظام الفاشل، بـدأ بالتهميش ما قبـل الثـورة، وإهدار الحقـــوق والكرامة، ومرورا بفظائع جهاز الشرطة وأمن الدولة الذي بلغ من التكبر والطغيان إلى التسبب في إعاقة العديد من أبناء الشعب في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات قمعا للحريات، وتكميما للأفواه .
وحتي بعد أن سقط هذا النظام وفقد شرعيته، وأُسقط من ضمير الوطن و ضمـيرُ كل تونسي شريف، فقد تسبب في إعاقة العديــد من أبناء الوطن من ضحايا الثورة الذين نطالب بحقهم قبل حقوق أصحاب الإعاقة، فقد دفعوا ثمن الكرامة والحرية غاليا فنحن منكم ومعكم .
قررنا النزول إلى الميدان للمشاركة يدا بيد، فلن يضيع دم الشــــــهداء والشرفاء الذين دفعوا دمائهم ثمنا لحــب الوطن ولن نكتفي بالمشاركــة الوجدانية ولا بمشاركة فردية نشارككم الآن، وبشكل جماعي على الأرض ونحن نتحدث بصوت أكثر من 150 فاقد للسمع منخرط بالجمعية حتى يتحقق الحـلم في وطن و نظام يحــترم الكرامـة و يحترم المعاق ، فنحن معكم شركاء ولسنا أعباء.
تلك هي رسالة المعوقين في تونس الى بني جلدتهم من أبناء الشعب التونسي الذي يختزن في كل مكوناته احتراما كبيرا للمعوقين ويعترف لقدراتهم الذاتية في صنع المستحيل.
[/B]