[B]هناك شريحة منسية من ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب نظرة المجتمع الخطأ، إنهم مرضى انفصام الشخصية الذين ينظر إليهم البعض على اعتبارهم مجانين، فيما يرفض كثيرون فكرة دمجهم في الحياة مما يزيد معاناتهم ويضاعف اضطراباتهم من غير ذنب جنوه.
تختلف في أذهاننا صورة المريض النفسي، والطبيب النفسي، وأصبحت كلمة المرض النفسي مرادفة للجنون، متناسين أننا معرضون للإصابة بمختلف الأمراض النفسية في فترة ما من حياتنا، وأننا غير معصومين منها.
وقد يكون للإعلام دور بارز في ترسيخ الوجه السلبي في عقولنا للمرضى النفسيين من خلال الدراما التي تجسد الشخصية الشريرة للمريض من دون التطرق إلى الظروف التي ساهمت في تدهور حالته، وحولته من ضحية إلى متهم.
ويعد الفصام الشخصي أحد أشكال هذه الأمراض، وقد يعتقد كثيرون أنه انقسام في الشخصية نتيجة مشكلات أسرية منذ الصغر، ولكنه مرض عقلي يصيب جميع الأجناس في جميع أنحاء العالم، ولاسيما الشباب، ويتميز باضطراب في التفكير والوجدان والسلوك، وأحيانا الإدراك، ويؤدي إذا لم يعالج في بادئ الأمر إلى تدهور في المستوى السلوكي والاجتماعي، كما يفقد الفرد شخصيته، وبالتالي يصبح فريسة سهلة للانعزال عن العالم الحقيقي المحيط به، ليسبح في أحلام خيالية لا تمت إلى الواقع بصلة.
القبس التقت بعدد من المواطنين والمقيمين، واستطلعت آراءهم حول مرضى الفصام الذين أجمعوا على أن الدعم النفسي والمعنوي، سواء الأسري، أو المعنوي هو الدواء السحري لهذا الداء، مطالبين بضرورة اهتمام الدولة بهذه الفئة من خلال تخصيص مصحات نفسية مناسبة لهم، وجمعية تعتني بقضاياهم، فضلا عن نواد ترفيهية امتثالا بالجمعيات القائمة في البلاد.
في البداية قال مصطفى أبو حطب إن مريض الفصام يميل للعزلة، وعدم الاختلاط بغيره، مشيرا إلى انه يفتقد القدرة على التفكير بشكل ملحوظ ومنطقي، ودائما ما يقل تفاعله مع الآخرين عاطفيا.
أين الحوار؟
واستشهد أبو حطب بقصة حول هذا الموضوع تعود لشاب في مقتبل العمر نشأ في حضن أبوين يسود حياتهما الجو الأسري المناسب، التفاهم والحوار المتبادل مبدأ أساسي لا غنى عنه، قد أضفى قدومه المنتظر لدنيتهم أنسا وجمالا لا مثيل له.
وأضاف: وتدرج هذا الطفل في المراحل الدراسية على نحو جيد إلى أن بلغ مرحلة الثانوية، حيث بدا عليه شيء من التغيير المفاجئ من دون مقدمات، كما انقلبت حياته رأسا على عقب، فمن شاب اجتماعي يلهو ويمرح ويلهث وراء الأناقة وعالم الموضة، إلى آخر انطوائي يفضل الجلوس منعزلا في غرفته غير مكترث بمظهره الخارجي، بعدما كان يقاتل لشراء أغراضه الشخصية، ولا بسلوكياته مع أصدقائه.
واستطرد بالقول: في البداية لم يلتفت الوالدان لهذا السلوك المتغاير، ظنا منهم أنه سلوك طارئ يظهر على أغلب الشباب في مرحلته، وسارت الأمور على هذا النحو حتى فاجأ هذا الطفل والديه، وهو يبكي بأن أصدقاءه في المدرسة يكرهونه، ويتآمرون عليه، فاستغرب والده من حديثه، واستشاط غضبا متوجها إلى مدرسته لتقديم شكوى على مدير المدرسة بهذا الشأن، ووعده المدير بالتحقق من هذا الأمر غير أنه اكتشف عكس ذلك، وبلغ ولي الأمر بهذا.
انعزال
وتابع: وازداد انعزال هذا الشاب في غرفته كما يقول والده، حيث انه كان يمكث لساعات طويلة بمفرده، وازداد إهماله لذاته ولدروسه حتى رسب نهاية العام مما رسخ في أذهان أعضاء الهيئة التدريسية أن رسوبه كان نتيجة ظروف خاصة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن شقيقته أخبرت والده في يوم من الأيام أنها سمعت شقيقها، وهو يتحدث مع نفسه، وعندما صرخت أخته في وجهه قام بسبها، واتهامها بأنها تكرهه، وتسعى إلى تسليمه إلى عصابة لصوص، وفوجئت الأم وابنتها بتصرفه عندما أخرج سكينا من تحت وسادته يهددهما بها.
وواصل حديثه قائلا: بعد أن ازدادت حالته سوءا عرض الوالدان ابنهم على طبيب نفسي، واكتشفا انه يعاني من انفصام في الشخصية، وتم علاجه من هذا الداء، وعاد إلى دراسته وانخرط في حياته.
وأشار أبو حطب إلى عدم وجود سبب معين وراء إصابته بهذه الحالة، لاسيما أنه ينعم بحياة أسرية سوية خالية من المشاكل، داعيا الأهل إلى ضرورة تقبل وتفهم مريض الفصام، ومساعدته للخروج من محنته، والانخراط في الحياة وتكوين أسرته المستقبلية.
ضغوط نفسية
ومن جانبها، اعتبرت منى السبيعي (موظفة) أن الضغوط النفسية منذ الصغر تلعب دورا كبيرا في مرضى الفصام، بل وتؤثر سلبا في حياتهم، لافتة إلى أن هذه الحالات تميل للعزلة عن الآخرين.
وأشارت السبيعي إلى أن إحدى أقاربها تزوجت من شاب تقدم لها، وكان شخصا مناسبا على حد قولها، وبعد الزواج منه اكتشفت أن سلوكه بدأ يتغير، وخاصة في فترة الليل، فمن شخصية طيبة حنونة إلى أخرى متحولة وشريرة.
واستطردت حديثها بالقول: في البداية كانت عازمة على الطلاق، ولكنها تراجعت بعدما توسل إليها، وأقنعها بالعلاج والمتابعة مع طبيب نفسي، مشيرة إلى أن ما أثار غضبها هو عدم مصارحته لها بمرضه قبل الزواج، واقتنعت بمواصلة مسيرتها الزوجيه حتى يتعافى، وبالفعل بدأت حالته تتحسن تدريجيا إلى أن تم شفاؤه.
التفاهم الأسري
وأشارت إلى أن عدم التفاهم الأسري لوالديه الذي توج بالانفصال كان من أهم دواعي إصابته بهذا المرض، حيث اعتاد والده على إهانة والدته أمامه، وضربه وهو ما تراكم بداخله حتى نضوجه، فكان يحاكي والده في أفعاله، معتبرة أن الضغط النفسي المتراكم يؤثر سلبا في حياة الفرد، ولا سيما في مراحل الطفولة. ووجدت السبيعي أن مريض الفصام الشخصي يستطيع أن يتعايش مع المجتمع المحيط به، في ظل وجود معاملة خاصة من قبل الأهل والأصدقاء.
باحث اجتماعي:
اللجوء إلى المشعوذين لعلاج الاضطرابات النفسية خطر!
اعتبر الباحث الاجتماعي عماد أبوالمجد أن إشكالية الفصام الشخصي تكمن بشكل أساسي في «الجهل الاجتماعي» بطبيعة هذا المرض وأعراضه وأسبابه، وغالباً ما يستعمل مصطلح «الفصام أو الانفصام» في عبارات «القدح والذم» أو الانتقاد وحتى «السب».
وأضاف إن مسألة التعاطي مع مرضى الفصام بحاجة إلى معرفة حقيقية بطبيعة هذا المرض، محذراً أهالي المصابين من مغبة اللجوء إلى «المشعوذين» ومدعي «العلاج بالسحر» تحت ذريعة أن المصاب بالفصام شخص له قرين من الجن، مؤكداً أن الفصام رغم طابعه النفسي، إلا أنه – وفق الطب – له أساس عضوي متعلق بالمخ.
المحامي الأنصاري:
المصاب بانفصام الشخصية لا يُعاقب جزائياً
أكد المحامي محمد الأنصاري أن القانون الكويتي يصنّف انفصام الشخصية على أنه عته، موضحاً أنه خلل عقلي – أقل من الجنون – يصيب الشخص، فيذهب بإدراكه ويفقده التمييز.
وبين الأنصاري أن المعتوه يختلف عن المجنون في مظهره الهادئ غير العنيف، لافتاً إلى أن إثباته يتم بتقرير من أهل الخبرة من الاختصاصيين ولجنة الأدلة الجنائية.
ولفت إلى أن المصاب بانفصام الشخصية لا يعاقب جزائياً في حال ثبت أنه قام بتلك التصرفات أثناء المرض، مبيناً أنه يفقد إدراكه وتمييزه فتنعدم إرادته ويعد كعديم الأهلية وتقع جميع تصرفاته باطلة. وأضاف إن المشرع اعتبر المعتوه منذ صغره وقبل رشده محجوراً عليه لذاته، بمعنى أنه لا يشترط لبطلان تصرفاته صدور قرار قضائي بالحجر عليه، فتمتد الولاية عليه بعد بلوغه الرشد، أما إذا ظهر العته لانفصام الشخصية على الشخص لأول مرة بعد بلوغه الرشد، فلا تبطل تصرفاته إلا إذا رفعت عليه دعوى حجر وأصدر القاضي قراراً بالحجر عليه.
خالد سليمان يروي تجربة صعبة مع صديقه المختل:
كان يستيقظ من النوم ليلقي خطبة بلا سبب!
روى خالد سليمان (مدرس – 37 عاماً) فصولاً من «أيام صعبة»، عاشها مع شريك له في السكن أيام الدراسة كان مصابا بــ «انفصام الشخصية»، حيث يقول: «في إحدى الليالي استيقظت فجأة على صراخ زميلي وهو يلقي خطبة بكلمات متداخلة وجمل غير مرتبة منطقيا ثم توجه نحوي، وقال: لماذا تتآمر علي؟ أتريد أن تتخلص مني؟! أنا سأريحك مني. ثم فجأة عاد إلى هدوئه وكأن شيئاً لم يكن!». وأضاف سليمان: «لم استطع النوم في تلك الليلة، وبدأت الأفكار تأخذني يمينا وشمالاً واعتقدت أن الأمر تمثيلية أو مزحة من زميلي رغم أن علاقتنا كان يغلب عليها الطابع الجدي لحداثتها، فقررت أن أبلغه استيائي من تصرفه وتنبيهه عدم تكرار مثل هذه التصرفات، إلا أنه أنكر تماماً ما حدث، وأقسم لي أنه لا يعي أي شيء مما حدث، فما كان مني سوى إقناعه بمراجعة طبيب نفسي لعل الأمر مسألة أحلام يقظة أو أنه يتحدث ويمشي وهو نائم». وقال سليمان: «لم يقتنع زميلي بفكرة الطبيب، ولكنني بقيت متوجساً، حتى حدث ما هو أعظم! حيث في إحدى المرات وخلال تسوقنا في مجمع تجاري كبير أخذ زميلي عربة التسوق وقذف بها من فوق السلم الكهربائي، ولولا لطف الله لكانت أصابت عائلة، وبدأ ينهال علي بالشتائم وتهجم علي، وكأنه يريد ضربي وسط ذهول رواد المجمع! فساعدني عدد من الأشخاص في السيطرة عليه والذهاب به إلى المستشفى وهناك تم إعطاؤه إبرة مهدئ وخلد إلى النوم».
وأردف بالقول: «قمت بإبلاغ أهله بما حدث وفوجئت بأن أهله قالوا لي إن ابنهم معه «انفصام شخصية.
ضعف الرعاية الأسرية المتهم الأول
كاظم أبل: المراهقون في مرمى الاضطرابات النفسية
أكد أستاذ علم النفس كاظم أبل أن %80 من مراجعي مستشفيات الطب النفسي في جميع أنحاء العالم يعانون من داء الفصام الشخصي وذلك وفقاً للإحصائية العالمية، موضحاً أن المراهقين أكثر عرضة للإصابة به، ويطلق عليه «مرض جنون المراهقة»، نظراً الى أن أعراضه تظهر في وقت مبكر، كما أنه يصيب النساء أكثر من الرجال.
وأشار إلى أن مرض الفصام يعد من الأمراض الخطيرة ولا ينصح بالزواج من هذه الحالات، معللاً السبب في ذلك إلى أن نسبة انتقاله وراثياً تصل الى ما بين %50 و%60.
وتحدث أبل عن أهم أعراضه، مبيناً أن المريض بالفصام يصاب بالتبلد والخمول، انفعالي وغير مكترث بعلاقاته مع الآخرين، شارد الذهن، تركيزه ضعيف، وغالباً ما يُصاب بهلوسة سمعية وبصرية، إلى جانب ذلك هناك حالات أخرى تظهر عليها أعراض الفصام بصورة أخرى مثل التهيج، مما يدفعه الى ارتكاب أفعال إجرامية خطيرة، ودعا إلى ضرورة التدخل المبكر للسيطرة على الحالة منذ البداية في ظل الرعاية الطبية والأسرية، لافتاً إلى أهم عوامل الإصابة به، التي تشمل تغيرات كيميائية في المخ، والصدمات النفسية، فضلاً عن الانفعالات التي يتعرض لها خلال حياته، بالإضافة إلى اختلال في الهرمونات إلى جانب %50 يعود الى العامل الوراثي، الذي قد يكون السبب الرئيسي.
غصة!
طالب أولياء أمور أشخاص مصابين بمرض الانفصام بتأسيس مصحة نفسية متخصصة لعلاج هذه الفئات، مشددين على ان الكويت تمتلك الإمكانات، لكنها تعاني قصورا كبيرا في علاج كثير من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة.
[/B]