0 تعليق
456 المشاهدات

التوحديون في دائرة العزلة والمعاناة



[B]بعض عباقرة الفن والأدب والعلوم، وحتى بعض حائزي جائزة نوبل كانوا يعانون من خلل جيني في المجتمع يجعلهم مرضى بالتوحد أو ما يسمى «أسبرجر»، لكن هذا المرض لا يمنع التفوق والتميز.. فقط يحتاج التوحديون إلى من يساندهم ويقف معهم ويكتشف مواهبهم منذ الصغر ويؤازر خطواتهم في الكبر ويعينهم على درب التميز والإبداع.
ويعتبر التوحد إعاقة مدى الحياة وهو مظهر سلوكي لاضطراب عصبي يؤثر في وظائف المخ وقد تكون الإصابة خفيفة أو متوسطة أو شديدة، وتتميز هذه الاعاقة بضعف التواصل والتفاعل الاجتماعي ومحدودية الاهتمامات.
لم يتوصل العلم بعد إلى معرفة أسباب الإصابة بهذه الإعاقة بالتحديد التي تظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، وأن حياتهم تتحسن إذا كان هناك دخل مبكر وخاصة في مهارات التواصل العناية الذاية والاعتماد على النفس.
وورد في الدراسات والبحوث أن نسبة الإصابة بهذه الإعاقة هي أربعة أولاد مقابل بنت واحدة وواحد من كل 200 مولود يمكن أن يكون مصابا بالتوحد.
القبس التقت بعدد من أولياء الأمور واستطلعت آراءهم وتجاربهم حول هذا الموضوع.. وكانت حصيلة الحصاد كالتالي:
في البداية، روى أبو أحمد ناصر قصته مع مرض ابنه فقال: لا أخفي على أحد أن التوحد يمثل معاناة كبيرة وخاصة أنه داء غير معلوم ولا يوجد علاج له غير التواصل الاجتماعي مع الآخرين، عندما بلغ أحمد عامه الأول والنصف لاحظنا أنه بدأ يميل للعزلة والابتعاد عن أقرانه، فقررنا اصطحابه للطب التطوري الذي نصحنا بإجراء الفحوصات الطبية وإرسالها إلى أميركا وبعد إطلاع المتخصصين على نتائج التقارير تبين أنه يعاني من التوحد.

مركز التوحد
وزاد ناصر بالقول: وفي عام 1997 قررنا تسجيله في مركز الكويت للتوحد، فرغم إمكاناته المحدودة في البداية إلا أن طاقاته جبارة وهذا ما تجلى من خلال التطور الكبير والملحوظ في سلوكه وتصرفاته، حيث بدأ يتواصل ويتحدث معنا مجددا كما برزت هواياته المكنونة منها السباحة وركوب الدراجة وممارسة كرة السلة، إلى جانب ذلك فهو متميز جدا في تلاوة وحفظ أجزاء كبيرة من القرآن الكريم والتي أثمرت عن حصد العديد من الميداليات الذهبية والفضية من خلال مشاركاته الإقليمية على مستوى دول مجلس التعاون.

فرد سوي
وعن كيفية التعامل النفسي معه، قال ناصر ان الأسرة حريصة على عدم التمييز في المعاملة بينه وبين اخوته بل يتم التعامل معه على أساس أنه فرد سوي، إلى جانب أننا نحاول أن ندخل إلى عالمه ومن ثم سحبه إلى عالمنا بلطف وحرفية بالإضافة إلى إدماجه في المجتمع المحيط به.
وأشاد ناصر بمستوى المراكز المعنية بهذه الفئة في الكويت والتي وصفها بانها متقدمة وفائقة وعلى نحو مساو للمراكز العالمية، وهذا ما اكتشفه من خلال مشاركاته في اجتماعات مركز التوحد العالمي في الدانمرك.
واشار إلى فكرة الدمج معتبراً إياها خطوة إيجابية وجيدة غير أنها بحاجة إلى رعايه خاصة وكفاءات علمية متخصصة في تأهيل مرضى التوحد ولا سيما أنه داء حديث.
ودعا الجهات المعنية في الدولة الى تكثيف جهودها لتوفير فرص عمل مناسبة لهذه الفئة ولا سيما أنهم يتميزون بمواهب عديدة، لافتا إلى أن ابنه بصدد أن يتولى وظيفة مساعد مدرب في المركز نظرا لتميزه.

الاسرة النابهة
الأسرة هي العين الساهرة والرقيب الأول على ابنائها، كما أنها تلعب دورا محوريا في تنشئة ومراقبة ابنائها، فضلاً عن الاهتمام بصحتهم، وهذا ما جسدته لمى الهويل وهي أم لأربعة ابناء يعاني أحدهم من مرض التوحد فقالت: ابنائي أشد تعلقا بوالدهم، وخاصة ابنى الأصغر (سنتان) وبمررو الأيام لاحظت أن علاقته بوالده قد تغيرت 180 درجة، حيث أن نشاطه أصبح غير طبيعي ويضرب نفسه كثيرا دون الإحساس بالألم، بالإضافة إلى قلة كلامه وضعف تركيزه، الأمر الذي دفعنى لاصطحابه إلى متخصص في الطب التطوري، والذي أخبرنا أنه يعاني من تأخر في القدرات اللغوية فنصحنا بعمل التحاليل اللازمة للبت في تشخيص المرض.

طب تطوري
وأردفت بالقول: ان نتائج الفحوصات الطبية والتحاليل التي أرسلناها إلى أميركا أظهرت أنه يعاني من التوحد ذات الدرجة القليلة نتيجة سوء التغذية غير الصحية ومنتجات الألبان، مشيراً إلى أنها سجلت ابنها في حضانة خاصة حتى تشعره بأنه إنسان سوي لا يوجد فيه نقص وكانت النتيجة بالفعل إيجابية، حيث بدأ يتحدث كما كنت أحاول اصطحابه معي في أي مكان لدمجه مع المجتمع المحيط به بالإضافة إلى أنني بدأت اهتم بتنظيم غذائه وعلاجه.
وأيدت الهويل فكرة الدمج التعليمي في المدارس بين هذه الفئة وأقرانهم الأسوياء، معربة في ذات الوقت عن رفضها القاطع حول اختلاط مرضى التوحد مع بعضهم البعض نظرا لاختلاف درجة الإصابة بهذا المرض.عمل وإنجاز

اختصاصية نفسية:
التدخل المبكر يسهم في حل مشاكل التوحد
أكدت الاختصاصية النفسية وموجهة البرامج في مركز الكويت للتوحد خزنة الخضرمي أن التدخل السلوكي يختلف باختلاف دوافع السلوك مثل سلوك العنف، حيث يتم إخضاع الطالب للملاحظة المباشرة، ووضع الخطط المناسبة له ومناقشتها مع أولياء الأمور، مشددة على حرص المركز على التدخل المبكر للمساهمة في خلق الحلول للمشاكل منذ بدايتها ولاسيما أن المصابين بالتوحد ينتهجون روتينا معينا يصعب كسره، وبالتالي يحتاج إلى وقت كبير.
و أشارت إلى وجود جلسات استشارية طبية وتربوية بالتعاون مع أولياء الأمور وأعضاء هيئة التدريس لنشر الوعي عن هذه الإعاقة، لافتة إلى تذمر بعض الشباب المراهقين من اخوانهم المصابين بالتوحد نظراً لتصرفاتهم اللافتة للانتباه وعدم تفهم إعاقتهم ولهذا السبب يحرص المركز على استدعائهم للنظر في أمرهم فضلاً عن تزويدهم ببعض الإصدارات التي تضمن قصصا تسهل عملية العامل معهم حسب مستوى الحالة.

مدرس مساعد في مركز التوحد
حالته كانت عنوان للخروج عن المألوف، فمن طالب يعيش في عالمه الخاص المنعزل عن العالم إلى مساعد مدرس في المكتبة في مركز الكويت للتوحد، يلقي دروسا على الطلبة، ويتبادل الأحاديث معهم ويسرد لهم القصص.
حسام من فئة التوحد (اسبرجر) حاصل على الثانوية العامة، وتوظف في المركز منذ عشرة أعوام، يمارس مهنته بشكل طبيعي، حيث يتبع التعليمات، ويسجل الحضور والغياب، هذا إلى جانب تميزه في حفظ التواريخ، وتذكر الأحداث المصادفة لها.

خالد ومحمد صديقان وحد بينهما الإبداع والتميز والإرادة
هما توحديان في إرادتهما وتميزهما، وليس في إعاقتهما وحسب، وسارا معا على طريق التحدي، جمعتهما لغة الإبداع والتفوق والمواهب المتعددة، وكانت لهما مشاركات وبطولات عربية عديدة توجت بربحهما أعلى المراكز.
هما الطالبان خالد حسين 16 عاما، ومحمد يعقوب 20 عاما، التحق الأول بمركز الكويت للتوحد عام 1999 إلى يومنا هذا، وتميز في حفظ القرآن الكريم، يجمع بين الدراسة الأكاديمية العادية، والدراسة الخاصة بالمركز، شارك في مسابقة الكويت الكبرى، وكذلك في بطولة الألعاب الخليجية، وحصد عددا من الميداليات في السباحة و تسديد الكرة، فضلا عن أنه شارك في مسابقة القرآن الكريم التي أعدتها جمعية التوحد الكويتية.
ولا تختلف براعة زميله محمد يعقوب عنه كثيرا، فهو متميز في الأعمال الحرفية والمنتوجات الخشبية المتنوعة مثل الصناديق الخشبية واللوحات الفنية، كما كانت له مشاركات رياضية عديدة.

عمل وإنجاز
أكد عدد من أولياء الأمور أن بعض حالات التوحد الخفيفة هي التي يمكنها ان تعمل، بل ويمكنها ان تنجز انجازاً رائعاً، لانهم يتمتعون بقدرات عالية، لافتا إلى التوجه العالمي حاليا نحو اتاحة الفرصة لهم في مجال الحسابات، لما يتمتعون به من قدرات عالية في الرياضيات والأشغال اليدوية.

خالد الصالح يروي معاناته مع ابنه:
عالجت ابني بالصبر وتقبل حالته ودمجه في الحياة

تحدث خالد الصالح عن قصته مع ابنه، قائلاً: لقد عالجت ابني بالصبر والعمل على دمجه في أنشطة حياتية وعملية وترفيهية كما تقبلت حالته.
وأضاف: حالة ولدي تعتبر من الحالات الخفيفة نسبيا، ولكن هذا لا يعني أنه لا يحتاج للمساعدة والتدخل وانه له صفات التوحديين، وقد اكتشفنا حالته وهو في سن 3 سنوات، حيث بدأنا نلاحظ عليه تغيرا واختلافا من حال إلى حال، فبعد أن كان يقول «بابا انت في شغل»، فقد النطق ودخل في عالم غريب من الانعزال والتوحد واللامبالاة وعدم التواصل مع الآخرين، ولا يعرف ماذا يريد، مع البكاء من دون سبب وعدم الخوف من المخاطر وعدم النوم إلا قليلا، وكان أهمها عدم النظر في عيون الآخرين، وتنقلتا بين الأطباء والمستشفيات إلى أن توصلنا إلى تشخيصه وهو أنه يعاني من التوحد، ولم يكن ايامها قد سجلت هذه الإعاقة في الكويت، ولا في الوطن العربي.
وقال إننا اجتهدنا كثيرا حى عاد له النطق وبدأنا معه مرحلة التعليم اللفظي عن طريق البرامج التلفزيونية والقصص وأشرطة الفيديو لأفلام الكارتون العربية، وعندما علمنا أنه توحّد بدأنا بالتدخل معه وإدماجه مع الآخرين، لكي نساعده على إعادة النطق والتمييز بين الأشياء وكيفية التعامل معها، فضلاً عن تعديل سلوكياته.

رئيسة مكتب الخدمة الاجتماعية:
التواصل مع أولياء أمور التوحديين واكتشاف الموهوبين

شددت رئيسة مكتب الخدمة الاجتماعية في مركز الكويت للتوحد عروب بورحمة على حرص المركز على التواصل المباشر مع أولياء الأمور والمعلمين فضلاً عن مناقشة الخطط الفردية لكل طالب وتدريبهم على الاتصال الشخصي والعناية الذاتي، لكي يرتقي بالاعتماد على الذات وتعزيز جانب التميز لديه سواء في المجالات الرياضية أو الحرفية .واشارت إلى مشاركات وبطولات المركز والتي كان آخرها بطولة الألعاب الخليجية الرابعة للتوحد والتي أقيمت في جدة بمشاركة سبعة من الطلاب، وأثمرت عن حصد 13 ميدالية، لافتة إلى أهمية هذه الفعاليات في توثيق علاقة أولياء الأمور بأبنائهم وإلى اختلاف قواعد المسابقات وقوانين تحكيمها نظراً لضعف التواصل وفهم التعليمات وتحويلها إلى أفعال.
وتطرقت بالحديث عن الغرف الحسية المزود بها المركز والتي تتضمن 5 غرف وكل منها تخدم غرض معين بمشاركة اثنين من اختصاصي العلاج الوظيفي، حيث يتم عمل تقييم للطلبة في بداية كل عام لمعرفة الصعوبات التي يواجهها الطالب ولاسيما في النواحي الحسية لتنشيطها ومساعدته على استيعاب ما يحيط به وفهمه والتي على أساسها يتم تصنيف الطلبة.
وألمحت بورحمة إلى ما يسمى باللعب الحر والذي يهدف إلى تنمية مهارة التخيل لدى الطالب، خاصة أنهم يفتقرون إليها، داعية أصحاب الأيادي البيضاء إلى دعم المبنى الجديد المخصص لهم والكائن في منطقة مشرف تحت مسمى «مركز الشباب» لعمل ورش إنتاجية وتأهيلية للطلبة الخريجين.

أين خطط التوظيف؟
حول مدى توافر فرص وظيفية لهذه الفئة، قال مسؤولو مركز الكويت للتوحد لا توجد جهات تتبنى توظيف خريجي مركز التوحد ولهذا السبب نحرص على خلق فرص عمل داخل المركز إلى أن تتوافر لهم المهن المناسبة في الخارج. ودعوا إلى عدم حصر الطلبة داخل إعاقتهم بل يتم النظر إلى قدراتهم ومواهبهم.

[/B]

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3775 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4151 0
خالد العرافة
2017/07/05 4692 0