ان من بين اهم المقاييس التي يقاس بها رقي الامم وتحضّر الشعوب هو اهتمامها بانسانية الانسان فيها في شتى صوره التي خلقه الله عليها معاقا كان او غير معاق.
والاعاقة ظاهرة اجتماعية بجميع مقاييسها فينبثق الاهتمام بالمعاق من عدمه من واقع المجتمع الذي يعيش فيه بداية بالمجتمع الصغير (الاسرة ـ الاب ـ الام ـ الاخوة ـ الاقارب) وانتهاء بالمجتمع الكبير بجميع مؤسساته وافراده.
ولو اخذنا في الاعتبار الاعاقة الحركية كنموذج من اكثر الاعاقات التي تتطلب تضافر الجهود المجتمعية لان هذه الاعاقة غالبا ما تصاحبها اعاقة او اكثر فتصبح اعاقة مزدوجة او متعددة وبالتالي فخدمات التأهيل بشكل عام تتجه فيها نحو المجتمع وتنبثق منه.
ونحن نعلم ان برامج التأهيل الحديثة جدا والسائدة عالميا هي ما يسمى بالتأهيل المجتمعي (c b r) اي التأهيل المبني على المجتمع والتي تعني باختصار شديد ان لكل فرد من ابناء المجتمع دوره سواء كان كبيرا او صغيرا في مجهود التنمية البشرية للافراد ذوي الاعاقة الحركية حتى يستطيعوا ان يقوموا بدورهم في بناء المجتمع وفي مجهود التنمية بجميع ابعادها.والجانب الآخر والاهم هو ان ديننا الاسلامي الحنيف يمثل بمبادئه المتعلقة بالتعاون والتكافل الاجتماعي وبحق المسلم على اخيه المسلم والذي مثل المسلمين بالجسد الواحد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وذلك يعني ان هؤلاء الضعفاء حقهم علينا كحق اليد على باقي اعضاء الجسد.
حق المعاق حركيا علينا
اولا ـ نحن بحاجة ماسة الى تغيير مفاهيمنا عن الاعاقة بشكل عام وعن الاعاقة الحركية بشكل خاص فليس المعاق حركيا هو ذلك الشخص المشلول الضعيف العاجز الذي يستثير فينا الشفقة وليس هو بالضرورة ضعيف العقل متدني التفكير.. فكثير من المعاقين حركيا لديهم قدرات متميزة على الفهم والادراك والانتباه والتفكير والاستدلال فلا ينبغي ان نغفل هذه الجوانب وان بدت حركتهم عشوائية او اصواتهم غير مفهومة او كلماتهم غير معبرة.
ثانيا ـ اننا بقصور فهمنا عن الاعاقة الحركية نسقط على المعاق هذا المفهوم المشوه فتكون فكرته عن نفسه انعكاسا لتعاملنا معه فنغيب قدراته الكامنة وتنزوى، فاذا كنا لا نرى فيه سوى قدم لا تسعى ويد لا تبطش ولسان لا يفصح فنكون قد حددنا له بفكرتنا عنه اطارا لا يخرج منه وهو العجز والقصور والضعف والوهن.. وبالتالي نقوم نحن نيابة عنه بكل احتياجاته.. فأنى له ان يعتمد على نفسه في مطعم او ملبس او ادراك ومن اين له ان يخرج من هذا الاطار الضيق الذي حددناه له سلفا.. السنا بحاجة الى تغيير مفاهيمنا عنه حتى يغير هو من نفسه.
ثالثا ـ نحن دوما لا نرى سوى الجزء الفارغ من الكأس ونتغافل عن الجزء المملوء، فلا نرى في المعاق حركيا سوى مشكلاته فما احوجنا الى البحث عن نقاط القوة. نعم نقاط القوة عند هذا الطفل المعاق التي قد تبدو في قدرته على التركيز لفترة معينة او في مهارة حركية محددة. نعم هو يجلس بسند.. هو يمشي خطوة او اثنتين وهو ينطق كلمة وهو يعرف شيئا.. أليست هذه بدايات جيدة يمكن ان يبنى عليها بدلا من ان نغفلها؟ فعندما نرى ان لدى المعاق حركيا نواحي ايجابية سيتغير اتجاهنا نحوه ويتعدل مفهومنا عنه ويزداد تقبلنا وحبنا له وبالتالي يتقبل هو ايضا نفسه ويندمج مع الآخرين من منطلق هذا الحب. ألسنا بحاجة الى البحث والتنقيب عن نقاط القوة لدى المعاق حركيا؟
رابعا ـ نحن افراد المجتمع بكافة قطاعاته ومؤسساته لنا دور يناط بنا القيام به حيال المعاق حركيا.. ولكن كيف؟
فليس التقبل للمعاق بالحسرة ولا الربت على كتفه ولا بالمسح على شعره او بالاحرى ليس التقبل هو الشفقة. انما التقبل الحقيقي هو اعداد لمداخل المحلات والمرافق العامة والمتنزهات والشوارع والارصفة والبيوت والمساجد بطريقة تسمح للمعاق حركيا بأن يدخل الى هذه الاماكن ويخرج منها بلا عناء او مشقة، التقبل هو ان نوفر للمعاق حركيا ما يحتاجه من خدمات تأهيله وان نتيح للمعاق حركيا فرصة للعمل في مصانعنا ومزارعنا ومحلاتنا التجارية وبذلك يستشعر المعاق حركيا الحب والاحترام والتقبل الحقيقي فينعكس كل ذلك رضا عن ذاته واشباعا لحاجاته وعندما تتحقق هذه النقاط نجد أننا ومن خلال حياتنا اليومية استطعنا ان نسهم في تقديم ما يمليه علينا ديننا وواجبنا تجاه كل من يعاني من العوق الحركي.