0 تعليق
6527 المشاهدات

الواقع النفسي للمعاقين بصرياً والتكيف مع الإعاقة



تحدث الإصابة بفقدان البصر تغيرات في نظام الحياة الفردية للشخص المعاق، وتؤثر على عاداته الحياتية ودوره الشخصي والاجتماعي وقد تخلق بعض المشكلات النفسية لديه، في حين تؤثر الإعاقة البصرية على عملية التواصل بين الفرد والمجتمع المحيط به، حيث تعتبر عملية فقدان المعلومات، هي من أكثر العوامل الهامة والمؤثرة في المعاق بعد إصابته بفقدان البصر نتيجة حادث معين أو مرض في حياته اليومية، ولا شك أن قدرة الشخص الكفيف على تلقي المعلومات من مصادرها اليومية عبر حاسة البصر تتأثر بشكل ملحوظ نظراً لأن البصر نافذة هامة على المحيط، يستقي من خلاله الفرد الكثير من المعلومات والبيانات، الأمر الذي يؤثر على جوانب حياتية مختلفة.
تؤثر الإعاقة البصرية أيضاً على التفاعل الاجتماعي للفرد، وتتأثر أيضاً مساحة الاهتمامات الشخصية Personal Space Preference (PSP) وهي المسافة الإعتيادية التي يضعها الناس بينهم وبين الأشخاص الأخرين في محيطهم خلال عملية التفاعل الإجتماعي، ولأن البصر يلعب دوراً هاماً في المحافظة على مساحة الاهتمامات الشخصية فقد يواجه المعاقون بصرياً صعوبة في تعلم واستخدام هذه المساحة، والمجالات غير اللفظية الأخرى في التفاعلات الاجتماعية الناجحة. إضافة إلى ذلك فقد يتأخر الأشخاص المعاقون بصرياً الذين أصيبوا بهذه الإعاقة في مراحل عمرية مبكرة في تطوير المفاهيم الإجتماعية، وهذا يرتبط أيضاً بالعوامل المعرفية والاجتماعية والمجردة المرتبطة بالقيود التي تفرضها الإعاقة البصرية على الفرد.

وعلى قدر ما يفهم الناس ويتفاعلوا ويتعاونوا مع الأشخاص المعاقين بصرياً، على قدر ما يؤثر ذلك على المسافة التي سيضعها المعاقون بينهم وبين الناس الآخرين المحيطين بهم وخاصة في التجمعات والمناسبات الاجتماعية.
إضافة إلى ذلك فإن المعاقين بصرياً هم أقل قدرة على تعلم واكتساب سلوك التواصل غير اللفظي مثل الإيماءات والاشارات، لأنهم غير قادرين على مشاهدة ردود الفعل غير اللفظية في البيئة الطبيعية. وقد يتأثر الوعي المعرفي للعلاقات الإجتماعية والمكانية عندهم، الأمر الذي يؤثر بدوره على مساحة الاهتمامات الشخصية PSP. مما يجعلهم لا يدركون المسافة الحقيقة بينهم وبين الآخرين فيؤثر على مدى التفاعل معهم، فقد يظهر أن يقترب الكفيف كثيراً من شخص غريب، أو يبدو أنه بعيد من شخص يعتبر صديقاً له.

وتبعاً للكثير من الدراسات، يشعر المكفوفون بأنهم معزولون اجتماعياً علماً أن هذا الشعور لا ينطبق على الكثير من ضعاف البصر، ومن الواضح أن الكفيف يتجنب التجمعات الاجتماعية خوفاً من الأذى أو الإرتطام بالناس والأشياء ونظراً لعدم قدرته على التحرك بحرية، وقد لا تصل الرسالة بشكل دقيق للمعاق بصرياً من الناس والأحداث المحيطة به، أو قد لا يتمكن من رؤية الحقيقة نتيجة عدم رؤيته للإيماءات والإشارات وتعابير الوجه.
وعلى الرغم من التدخل المبكر والتدريب والتأهيل المقدم للمعاقين بصرياً إلا أن لديهم إحساس متدني بالرضا عما يقومون به بالمقارنة مع زملائهم المبصرين، وإن الرضا عن العمل يقود إلى انخفاض الإنتاجية وبالتالي الاستقالة أو الإقالة من العمل، وهذا الأمر مرتبط أيضاً بعدم تفهم زملاء العمل للكفيف وفشلهم في التعامل معه والصبر على احتياجاته.
وقد أشار Warren (1984) إلى أن الأطفال ذوي الإعاقة البصرية يظهرون تأخراً في عدة مجالات تطورية من مراحل حياتهم، بما في ذلك المهارات الحركية، واللغوية والمعرفية، مما يؤثر على مهارات اللعب عند الطفل ضعيف البصر، ناهيك عن الحماية الزائدة التي يتبعها أولياء الأمور مع أطفالهم بحجة الحماية من الأخطار.
لقد أشار بعض الباحثين إلى وجود ارتباط بين الاكتئاب وضعف البصر على أساس أن الشخص الذي يفقد شخصاً أو شيئاً عزيزاً عليه يشعر بالحزن الشديد والاكتئاب. وإن فقدان البصر يمثل فقدان عضو مهم في الجسم وبالتالي فقدان الحصول على المعلومات.
وقد أشار (1998) Karlsson إلى الارتباط بين الإعاقة البصرية وبين المستوى المتدني من السعادة في الحياة، ووجود اللحظات الصعبة والأزمات، وأعراض الاكتئاب كالحزن وصعوبات النوم والتعب، والعزلة، والقلق والتوتر، وضعف الصحة العامة. أما الجوانب المعرفية، فلم يشر الباحثين إلى وجود اختلاف في القدرات المعرفية العامة بين المكفوفين والمبصرين، ولكن من حيث التفكير التشعبي Divergent Thinking فقد أفاد Wyver & Markham (1999) أن العوامل التي تساهم في التفكير التشعبي Divergent Thinking قد تتأثر بشكل عكسي عند الأطفال ذوي الإعاقة اللبصرية الشديدة، بالمقارنة مع الأطفال المبصرين، هذا التفكير الذي يعبر عن القدرة على الوصول إلى عدة حلول لنفس المشكلة، والذي يرتبط بجوانب إبداعية عند الشخص وبسلوكيات التجديد والأداء الدراسي والتكيف مع التغيرات، والرغبة في التجديد والاستثارة، وهو يعبر عن مرونة في التفكير.

التكيف مع الإعاقة لابصرية:

أشارت النظريات إلى أن الأشخاص المعاقين بصرياً يطورون مع الزمن استراتيجيات مختلفة للتكيف مع إعاقتهم، كمحاولة لجعل واقعهم أفضل، حيث أشار Persson أن هناك ستة استراتيجيات إيجابية، وخمسة استراتيجيات سلبية يتبعها المعاقون بصرياً وهي:
الاستراتيجيات الإيجابية:
1- التقبل: حيث يميل الشخص إلى تقبل إعاقته والتركيز على الجوانب الإيجابية في حياته وكيف يستثمرها ويعيد بناء حياته من جديد في ظل الإعاقة.
2- الثقة بالبيئة المحيطة والتي تتضمن تقبل الدعم الاجتماعي من الآخرين، وقد يكون العامل الديني عند الشخص باعثاً على الراحة والأمل.
3- التجنب الإيجابي: وهي القدرة على تحويل الانتباه بعيداً عن المواقف الإشكالية والخوف من الإعاقة، إنها ليست إنكار للإعاقة بل هي طريق للإبتعاد عن القلق والحزن، كالاستماع للموسيقى والمشي ومقابلة الناس والانخراط في بعض الأنشطة.
4- تصغير الإعاقة واعتبار أن وضعه أحسن من غيره، كأن ينظر ضعيف البصر إلى حالته بأنها أفضل كثيراً من الكفيف.
5- الاستقلال: ويعني تحمل المسؤولية الشخصية في الحفاظ على جودة الحياة بالنظر إلى المشكلات المتعلقة بالبصر على أنها تحديات لا بد من مواجهتها لتحقيق السيادة، حيث يكون لدى المعاق بصرياً إحساس بالحصول على السيادة باستمرار لأنها تعطيه قيمة للذات عندما يعتمد على نفسه ولا يطلب مساعدة الآخرين.
6- التحكم وتعويض فقدان الوظيفة، كالحصول على المعينات المساعدة والتقنية، والانتباه إلى الأعراض التي من الممكن أن تتطور وبالتالي التحكم في تأثيراتها.

الاستراتيجيات السلبية:
1- الانكار وعدم الاعتراف بالإعاقة والعيش على أمل الشفاء، والعيش في الخيال وأحلام اليقظة، مثل المريض المصاب بالجلوكوما بكلتا عينيه، والذي يبقى يتصرف على أمل الشفاء من المرض على الرغم أن الأطباء قد أخبروه باستحالة إعادة البصر إليه.
2- الاستياء، والذي يحمل المرارة والحسرة على أن الشخص أصبح ضحية لمرض أو إصابة بعينيه، حيث يشعر بالإستياء لأنه كان في السابق يقوم بعدة أعمال لا يستطيع القيام بها في الوقت الحالي.
3- الخجل والشعور بالدونية بالمقارنة مع الناس المبصرين والاختلاف عنهم.
4- العزلة، بما يتضمنه الشعور بأنه غريب أو مستثنى ويتم إساءة فهمه من قبل الآخرين، مما يجعله يميل الانعزال عن الآخرين وتجنب التفاعل الاجتماعي.
5- الشعور بعدم القدرة والضعف وعدم الحيوية والروح التشاؤمية.

دور الاختصاصي النفسي في التعامل مع المعاقين بصرياً:
من الملاحظ كما سبق أن المعاق بصرياً قد يطور استراتيجيات إيجابية أو سلبية في التعامل مع إعاقته والبيئة المحيطة به، لذلك فهويحتاج إلى الدعم النفسي أثناء عملية التأهيل، والتي تنقسم إلى مستويين:
الأول على المستوى العاطفي، والمستوى الثاني هو في التعامل مع الأنشطة الحياتية اليومية، حيث أصبح يعتمد أخصائيي التأهيل حديثاً على ضرورة تغيير مطالب البيئة وتعزيز قدرات الشخص المعاق، وتزويده باستراتيجيات التعامل مع البيئة المحيطة وذلك عبر خطة التأهيل الفردية Individual Rehabilitation Plan.
إن الهدف من خطة التأهيل متعددة التخصصات والتي تقدم لضعيف البصر هو مساعدته على التكيف مع إعاقته، ومساعدته على القيام بمهارات الحياة اليومية باستقلال، وإن نجاح هذه الخطة الفردية يعتمد على كثير من العوامل النفسية عن المعاق، كمقدار الاستياء من الإعاقة ومدى رضاه عن حياته، ومدى الدعم الذي يتلقاه من الأسرة والأصدقاء، ومدى تقديره لذاته، ومستوى الضغط الذي يتعرض له، والدافعية.

إن الاهتمام بالعوامل النفسية عند المعاق لهو أمر في غاية الأهمية خلال عملية التأهيل والتكيف مع الإعاقة، وإن مدى شدة الإعاقة لا يعتبر مؤشراً على مدى التكيف النفسي أو الصعوبات التي يواجهها الشخص في حياته اليومية، في حين أن العوامل النفسية تلعب دوراً كبيراً في مدى قدرة المعاق على مواجهة الإعاقة.
لذلك فمن المهم عند العمل النفسي مع المعاقين بصرياً التركيز على جوانب القدرة التي يمتلكونها، والبحث عن الجوانب المتبقية والإنجازات التي قام بها الشخص في حياته، وبعث عزيمته على التكيف مع إعاقته دون أن يعني ذلك الاستسلام لها. ومساعدته على الوعي بالسلوك الذي يقوم به والتبصر بأسبابه، والتعرف على أسباب المشاعر السلبية التي تداهمه، لأنه كلما كان أكثر وعياً بأسباب السلوك كلما كان أكثر تحكماً في سلوكه وانفعالاته.

ومن المهم أن يركز الأخصائي النفسي على تقنيات تعديل السلوك وعلى تغييره، والتعرف عليه، لأن هناك كثير من السوكيات التي تنبع من التعلم الخاطئ. كذلك فالمهارات التدريبية لضعيف البصر هي أمر ينبغي الإهتمام به، حيث التدريب على القيام بأعمالهم الخاصة كبقية الآخرين، ناهيك عن أن المعاقين بصرياً بحاجة إلى قدر كبير من الدعم الانفعالي والاجتماعي والأنشطة الترفيهية التي ترخجهم من المشاعر السلبيى التي قد يواجهونها، والتواصل مع العالم الخارجي، وتنمية الميول والمهارات الخاصة التي يمتلكونها، وإعطاء المعاق بصرياً الإحساس بالقدرة دون التعاملم عه على انه غير قادر ولا يستطيع، وإن إحساسه بالقدرة وإعطاءه مساحة من الحركة والحرية يبعث فيه الثقة بالنفس والميل لمواجهة الواقع الذي يعيشه واكتساب خبرات حياتية جديدة.

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3775 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4151 0
خالد العرافة
2017/07/05 4692 0