[B]ما يزال عدنان يذكر الإهانة التي تلقاها من احد أرباب العمل حين تقدم لوظيفة قبل عقدين من الزمن رغم بلوغه الخمسين من العمر، وحتى هذه اللحظة يشعر بالقهر، مرة لأنه «نُعت» بالمعاق، وأخرى لأن إعاقته كانت حاجزاً أمام حصوله على وظيفة تتطابق شروطها مع إمكانياته ومؤهلاته.
رغم بشاعة الحادثة التي أثرت على نفسية عدنان وأجبرته على النوم المتواصل شهوراً طويلة، إلا أنها كانت حافزاً له لمواجهة ظلم المجتمع، فكان يعتبر ان فرصة الحصول على عمل رغم (بتر أطرافه السفلى) التحدي الأكبر لإثبات وجوده، والاندماج في مجتمعه الذي قسى عليه ذات يوم.
عانى حياة قاسية بعد تعرضه لحادث فقد فيه أطرافه السفلى وهو في السادسة والعشرين من العمر، واضطر لبيع مشغله والاستغناء عن موظفيه للنفقة على علاجه كونه غير مؤمن صحياً، لكنه مؤمن بان الإصرار يقود إلى النجاح.
يقول عدنان: انه لم يكن يصدق بأنه شخص معاق حتى بعد الحادثة، وكان يستغرب حين يُرمق بنظرات المجتمع وهو يستخدم (الكرسي المتحرك) إلى أن استبدله بأطراف صناعية، ورغم ذلك لم يكن يشعر بالحرج أن يخلع تلك الأطراف (البلاستيكية) ويضعها أمام أفراد المجتمع، لا ليكسب شفقتهم بل ليثبت انه موجود.
وإذا كانت فصول حكاية عدنان محزنة، إلا أنها تؤشر على عدم إدراك وقلة في الوعي المجتمعي للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة حتى هذه اللحظة، ولم تشفع الاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية بان تغير قناعات الأفراد بان هؤلاء جزء من المجتمع ولديهم طاقات وقدرات خلاقة. ثمة جدلية في العلاقة ما بين الأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص غير المعاقين، تكمن في أساليب التخاطب، إذ يعمد أفراد المجتمع بقصد أو بغير قصد أن يجرح مشاعر الأشخاص المعاقين، عبر إطلاق عبارات تؤثر سلبا على نفسيتهم وتترك أثراً عكسيا لدى الكثير من الأشخاص المعوقين.
المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، يسعى لتغيير قناعات الناس بالأشخاص ذوي الإعاقة، ومحاولة تصحيح بعض الكلمات التي ينادون بها وفقا لما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين التي تمت المصادقة عليها في العام 2008 ، إذ تغير مصطلح « ذوي الاحتياجات الخاصة» إلى «مصطلح «الأشخاص ذوي الإعاقة» باعتبار أن لديهم إعاقة قد لا تمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
تقول الباحثة «جان» من المجلس الثقافي البريطاني أن ثمة حواجز بين الأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص غير المعاقين، ولا بد من إزالة هذه الحواجز، عبر استخدام الوسائل الشمولية في التواصل المتمثلة بوسائل الإعلام المختلفة.
وقدمت جان ثلاثة نماذج يمكن من خلالها وصف الأشخاص ذوي الإعاقة، النموذج الفردي وهو ما يقرره الفرد في إطلاق اللفظ على الشخص المعاق والاجتماع وهو المتعارف عليه إضافة إلى النموذج الطبي المصطلح عليه.
وترى بان المشكلة ليست في المجتمع بل تكمن بين المجتمع والشخص المعاق ذاته، بحيث تزال الفوارق وتجسر الفجوة عبر منع التمييز كحق من حقوق الأشخاص المعوقين التي كفلتها القوانين والأعراف الدولية. واعتبر مدير مكتب إقليم الشمال في المجلس الأعلى الدكتور إحسان الخالدي أن الإعاقة ظاهرة معقدة وهي لا تعزى للشخص نفسه، وهي ليست خلق للبيئة الاجتماعية بل موضوع فردي، ويحب التعامل معه وفق منهجية علمية وعملية دقيقة.
وتبين مديرة التأهيل والتدريب في المجلس الأعلى غدير الحارس أن النظرة المجتمعية للشخص ذوي الإعاقة هي التي تحول بين إدماجه في مجتمعه، خاصة وان فرص النجاح للشخص ذوي الإعاقة تتضاءل سواء على صعيد العمل أو الزواج أو التعليم، وقد تقل تلك الفرص باختلاف الجنس.
وترى منى بهينام أن الأصل في العلاقة هم الأهل، مشيرة إلى أن الشخص ذوي الإعاقة في نهاية المطاف هو ابن لتلك العائلة وهو محسوب عليهم مهما كانت إعاقته، في إشارة منها إلى أن الثقافة المجتمعية ما تزال تطغى على عقول الكثير من أفراد المجتمع الذين ينظرون للمعاق نظرة «العيب.
أما عدنان فقد تجاوز مراحل عديدة من حياته بعد أن بلغ الخمسين من العمر، لكنه الآن يشغل منصبا في المجلس الأعلى، واطلع على تجارب العديد من الدول التي زارها في مجال الإعاقة، لكنه يدعو إلى دمج الشخص المعاق باعطائه فرصة لإثبات الوجود، فهو أمام خيارين إما أن تكون أو لا تكون، وبالتالي فان نجاحه أمر حتمي.
[/B]