[B]
حالة من الترقب والشوق تنتاب غالبية الأسر التي تتهيأ لاستقبال مولودها بفارغ الصبر بعد طول انتظار دام تسعة أشهر، وسرعان ما تتبدل هذه المشاعر فور اكتشاف أن طفلها معاق فتصاب الأسرة بهزة نفسية يزول أثرها بمرور الزمن، ونموذج آخر من الأسرة الحليمة تسلم بعطية الخالق باعتبارها قضاء مكتوبا لا محال منه، فتحاول أن تتعايش مع هذه الحالة وإدماجها في المجتمع المحيط واكتشاف مواهبه وتنميتها بشكل يعوض هذا الأمر.
وآخرون يحاولون إخفاء هذه الإعاقة وعزلها عن المجتمع المحيط باعتباره عيباً يخدش مستقبل باقي أفراد العائلة.
وهذا ما يجدر بنا للتساؤل: هل المعاق إنسان محكوم عليه بالعزلة المؤبدة ؟ وما دور جمعيات النفع العام في توعية وتثقيف الأسر في كيفية التعامل مع أبنائها من هذه الفئة ؟
القبس سلطت الضوء على هذا الموضوع والتقت بعدد من أولياء الأمور الذين لديهم أبناء معاقون، وبنظرائهم ممن لديهم أبناء أصحاء وتباينت آراؤهم كالتالي:
استهل عماد يوسف (مدرس ـ41 عاماً) حديثه برفض مصطلح «معاق» من مبدأ أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يملك طاقة أو قدرة على القيام بأي عمل سواء عضلي أو فكري، وبالتالي كلمة معاق تنطبق فقط على الذين لا يستطيعون القيام بأي عمل أو التفكير، مفضلاً أن يستعاض عن مصطلح معاق بمصطلح «ذو حاجة خاصة» أو أي مصطلح آخر يدل على أن الشخص المعني عاجز عن أداء أشياء معينة فقط وليس كل الأشياء.
قانون الضرورة
ورأى يوسف أن تعايش الأسرة مع حالة ابنهم تختلف من أسرة لأخرى وفقاً للمستوى المادي والثقافي وطبيعة تركيبة الأسرة من حيث العدد والالتزام الديني، لافتاً إلى أن مسألة التعايش محكومة بقانون الضرورة كون لا أحد يستطيع أن يرمي ابنه في الشارع بغض النظر عن قبول الأسرة أو رفضها. واعتبر يوسف أن الأسرة السليمة التي تنظر إلى أسرة «ذي الحاجة الخاصة» من زاوية أنها الأفضل تكون أسرة غير سوية رغم انتشار هذه النظرة للأسف كون معظم الأسر ما زالت تتحفظ على مصاهرة الأسر التي لديها أبناء من ذوي الاحتياجات خوفاً على الأجيال القادمة وخجلاً من المجتمع، وبالتالي النظرة المجتمعية لأسرة ذوي الحاجة الخاصة تبقى سلبية إلا في حالات نادرة وخاصة عندما يكون ابن تلك الأسرة مميزاً أو صاحب قدرة خارقة وقد عرفت المجتمعات العربية والأجنبية حالات كثير من هذا القبيل.
أما في قضية انتهاك حقوق الطفل ذي الحاجة الخاصة، فأكد يوسف أن ذلك يعتبر اعتداء ويعاقب عليه القانون سواء صدر من أسرة الطفل نفسها أو من أي شخص أو جهة، داعياً إلى جعل عقوبة هذا الاعتداء توازي ما لحق بذلك الطفل من أذى معنوي ونفسي كي تتحقق العدالة.
أمل وتفاؤل
وبنظرة مشرقة مشحونة بعبارات الأمل والتفاؤل، أعربت إلهام الفارس عن اعتزازها بأنها أم لثلاثة أبناء معاقين من فئة الداون قائلة «أنا افتخر بأنني أم لأبناء معاقين وليسوا عاقين»، لافتاً الى أن تسلح الأسرة بالصبر وإيمانها بالقضاء والقدر يجعلها تغير نظرتها لمفهوم الإعاقة باعتبارها أمرا طبيعيا وليس نقصا أوعيبا.
وحذرت الفارسي من الدلال الفاحش من قبل أولياء الأمور تجاه ابنها المعاق وتمييزه عن باقي أفراد أسرته الأسوياء فضلاً عن تلبية جميع رغباته وطلباته دون اعتراض والذي يلقي بظلالها السلبية على الأسرة وعدم السيطرة عليه مستقبلاً.
أنشطة تثقيفية وردود أفعال
ومن جهته، عدد مشعل الواوان ردود أفعال أولياء أمور الإعاقات الشديدة أو المتوسطة، فقال: هناك ثلاثة ردود مختلفة، الأول: أسرة تستوعب الإعاقة منذ البدايات وتحاول التعايش معها على أنه أمر طبيعي مما يساهم في تنشئة في بيئة صحية تساعده على التسامي على إعاقته والإبداع لتعويض الإعاقة الجسدية، الثاني: تنفرالاسرة من هذا الواقع في البداية لعدم توافر المعرفة الكافية، ولأن وضعه قد يحسسهم بالنقض والعبء وبعد مرور الزمن تبدأ بامتصاص الصدمة واستيعابها، اما الرد الثالث: فالاسرة تنفر من المعاق بشكل دائم وكأنه جسم غريب دخل الأسرة وقد يسهم في تدميرها.
وأضاف الواوان ان الإيذاء النفسي والبدني وارد وهو عبارة عن تنفيس للغضب الداخلي للوضع الذي لا يستطيعون التعايش معه والذي يحسسهم بالنقص والإحراج وهو ناتح عن الجهل بأن الإعاقة ليست ذنبا ولا يجب تحميلها المعاق أو غيره، وهو وضع استثنائي يمكن التعايش معه وامتصاصه بسهولة، مشددا على دور الإعلام في تثقيف الجمهور حول هذا الشأن.
تعاطف
وثمنت أم مجد (33 عاماً) نعمة الأطفال الأصحاء التي منها الله بها ، أملاً في أن يخفف الله عن كل أم لديها ابن معاق ويعوضها بالأولاد الأصحاء وأن يساعدها على العناية بابنها المعاق، معربة عن إيمانها بأن الأم التي تعتني بولد معاق سوف يجازيها سبحانه وتعالى أحسن الجزاء ويضاعف من ميزان حسناتها.
وعن نظرتها إلى الأسرة التي لديها طفل معاق تقول أم مجد: «كان الله في عون تلك الأسرة لأن أصعب شيء على الأم أن ترى ان ابنها ليس طبيعيا فعندما يصاب الولد بمرض حتى ولو بسيطا تقلق الأم وتظهر في البيت كله معالم الحزن فما بالك اذا كان الولد لا يستطيع المشي أو لا يسمع أو أعمى لا سمح الله»، مؤكدة أنها تتعاطف مع كل أم وأب لديهما ابن معاق ولا تستطيع ان تخفي شفقتها على تلك الأسرة.
نظرة دونية
ووصفت أم مجد الأسرة التي تنتهك حقوق طفلها المعاق أو تعزله عن العالم وتحرمه من التعليم «بالعائلة المجرمة»، رافضة أن ينظر إلى المعاق «نظرة دونية» من مبدأ أن كل ما يصيب الإنسان هو من عند الله وقضاء مكتوب ولا يحق لأي فرد الاعتراض على القضاء والقدر.
أم خالد تبوح بآلامها وآمالها:
أكثر ما يؤلمني نظرات الشفقة إلى ابني المعاق
لم تستطع أم خالد السيطرة على دموعها وإخفاء «حسرتها» وهي تتحدث عن ابنها المعاق «حركياً»، فبعد صمت حزين «فضحته» تقاسيم الوجه ودموع ساخنة وتنهد عميق، تبدأ كلامها بجملة «الحمد لله على كل شيء».
وقالت: تتعايش الأسرة مع الإعاقة من مبدأ أن هذا ابننا أولاً وأخيراً ولا نستطيع ان نرفضه، ونبقى على أمل في أن يتمكن الطب من اختراع أجهزة أو الوصول إلى علاج يساعد ابني على ممارسة حياته الطبيعية مثل باقي أقرانه الأسوياء، مشيرة إلى أنها لم تطلع على قواعد ونظريات التعامل مع المعاق وتتصرف مع ابنها بعفوية وكأي أم ملتزمة بتلبية احتياجات ابنها.
واعترفت أم خالد، وهي أم لثلاثة أولاد أصحاء والرابع المعاق، بأنها في بداية الأمر كانت تتجنب الناس والجيران بسبب إعاقة ابنها وتفادياً لـ «نظرات الشفقة وكلام التخفيف عنها وتطييب الخاطر»، إلا أنها ومع مرور الوقت وسماعها عن حالات كثيرة مثل حالة ابنها أصبحت «لا تخجل من ابنها»، وقالت: «الجيران والأقارب اعتادوا على حالة ابني، ولم يعد أحد يسمعني أي كلام فيه شفقة، كما أن الأمر أصبح عادياً إلا عندما نتعرف على أشخاص جدد أو أرى من هم في عمر ابني يلعبون». وسلمت أم خالد بـ «القضاء والقدر» رغم أنها لا تخفي أنها ما زالت تعتبر إعاقة ابنها «مرضا يمكن الشفاء منه».
رحاب بورسلي:
الخجل من الإعاقة خطأ فادح.. ورعاية هذه الفئات مسؤولية وطنية
أكدت رئيس جمعية أولياء أمور المعاقين رحاب بورسلي أهمية تأهيل الأسرة من حيث الرعاية الاجتماعية داخل المنزل لاستقبال الإعاقة والتكيف معها وعدم الخجل من إعاقتهم وحجبهم عن الناس، بل إدماجهم في المجتمع المحيط بهم وإحساسهم بأنهم طبيعيون.
وشددت على ان الخجل من الإعاقة خطأ فادح، كما ان رعاية المعاقين مسؤولية وطنية. ولفتت بورسلي إلى أن معاناة الأسر سببها الخوف من مواجهة الإعاقة وظروفها التعليمية والصحية، فرغم الوفرة والسيولة المالية في مجتمعاتنا الخليجية إلا أن الوعي ما زال قاصرا وكذلك الخدمات الصحية المقدمة، فهي بحاجة إلى تطوير وتوافر متخصصين في هذا المجال وفقاً لكل إعاقة. واسترسلت بورسلي بالقول: ان الإعاقة نعمة، غير أن وجودها يحمل معاناة كبيرة، لا سيما في بداياتها، كما أن التعايش معها أمر ليس يسيرا ويختلف وفقاً لدرجة الإعاقة.
وطالبت أولياء الأمور بضرورة التحلي بالصبر والإيمان بالقضاء والقدر والنأي عن رغبتهم الملحة في تحويل المعاق إلى إنسان سوي حتى لا يلقي بظلاله السلبية على الحالة النفسية للمعاق.
المويزري يروي تجربته:
أسرتي تقبلت إعاقتي وشجعتني على حصد البطولات الرياضية
فهد المويزري أصيب بإعاقة حركية، إثر تعرضه لحادث سير أليم، لعب القـــدر دوراً كبــيراً في حياته ، فمن شبح مظلم وكابوس يطارد مسيرته إلى عالم زاخر بالبطولات، بفضل دعم أسرته المتواصل والدؤوب له .
واعتبر المويزري أن الأسرة هي السند الذي يعين المعاق على تجاوز محنته ، لا سيما إذا كانت الإعاقة نتيجة حادث، فهو في حاجة إلى رعاية واهتمام مضاعف عن ذاك المولود بإعاقـــة، فالحادث بطبيعته يشكل صدمة كبيرة، وإحباطاً ملازماً للمعاق، بخلاف المولود بها، فهو يتكيف مع إعاقته منذ نعومة أظفاره .
وأشار إلى أن الوعي الأسري يكمن في التشجيع والحث الدائمين على تجاوز المحنة وتوثيق الصلة به ، وإقناعه بالتعايش مع إعاقته، باعتباره أمراً طبيعياً وقدراً مكتوباً ، فضلاً عن التذكير المتواصل بالنعم التي منها الله سبحانه وتعالى عليه والتي قد تعوض إعاقته ، إلى جانب اكتشاف مهاراته وقدراته وتنميتها، من خلال إشراكه في النوادي لدمجه في المجتمع الذي يحيط به.
وتذكر دور والديه وعونهم له في سبيل تخطي هذه المحنة من خلال إشراكه في نادي المعاقين، وتنمية مواهبه الرياضية ، حتى وصوله إلى أعلى المراتب، وتربعه على عرش البطولات، مؤكداً في الوقت ذاته أن ذوي الاحتياجات الخاصة يحظون باهتمام كبير في ديرته مقارنة بالدول الأخرى، حيث تتوافر لهم الأجهزة التعويضية، والمعاشات ، وغيرها من الأمور.
ولفت إلى نمو الوعي المجتمعي تجاه مفهوم الإعاقة ، وهذا ما تجلى من خلال البروز الإعلامي المتمثل في تخصيص صفحات أسبوعية، ووجود صحيفة إلكترونية معنية بهذه الفئة.
استشاري نفسي:
العنف الأسري ضد المعاق يصيبه بالاكتئاب ويشعره بالدونية
شدد أستاذ علم النفس د. كاظم أبل على أن الأسرة جزء لا يتجزأ من العلاج النفسي للمعاق، لافتاً إلى أن هذه الفئات بحاجة إلى عناية ومجهود أكثرمن الطفل العادي السوي، لاسيما إذا كانت الإعاقة شديدة مثل الشلل النصفي، وفقدان البصر أو السمع، والتخلف العقلي والتوحد ومتلازمة الداون.
و أشار إلى أن افتقار الأندية والمرافق الترفيهية فضلاً عن انعدام المتخصصين في هذا المجال من الأمور التي جعلت الأسر تواجه صعوبة وضغطاً كبيرين في التفاعل مع أبنائها المعاقين، لافتا إلى نقص المؤهلات التخصصية في مجال الإعاقة في الكويت مقارنة بدول شرق آسيا، حيث تنعم بالكوادر المتخصصة في هذا المجال والمعنيين بتزويدهم ببرامج خاصة تنمي مهاراتهم وتشبع احتياجاتهم الأساسية كالنظافة والجانب الغذائي والملبس.
وأضاف ان الأسرة اليوم لا تستطيع القيام بهذه المهام نظراً لقلة الخبرة والإلمام بفن التعامل مع المعاق فضلا عن التكيف مع إعاقته، مما يجعل بعض الآباء والأمهات يتجهون إلى أسلوب العنف والقسوة.
واسترسل بالقول: إن انتهاك المعاق جسديا يؤثر فيه نفسياً، حيث يصاب بالإحباط والاكتئاب والعصبية الزائدة وأعراض أخرى جسدية مصاحبة بسبب الاضطرابات النفسية، مثل اعتلال القولون والصداع.
وفيما يتعلق بالوعي المجتمعي تجاه المعاق، أشار إلى ان هناك انتهاكا لحقوق المعاقين، ولاسيما في المرافق العامة، حيث نجد أن الأماكن المخصصة لهذه الفئة منتهكة من قبل الأسوياء، وكذلك بعض المؤسسات التعليمية تفتقر إلى مصاعد خاصة بهم، كما أن مبانيها غير مهيأة للتدريس، حيث أنها متهالكة مثل الهيئة العامة للتعليم التطبيقي.
وطالب أبل بضرورة تشديد القوانين وفرض العقوبات الصارمة ضد الأسر التي تنتهك أبناءها المعاقين نفسيا وجسديا، داعيا إلى أهمية تغيير النظرة الدونية للمجتمع تجاه المعاق فضلاً عن تضافر المؤسسات المعنية الاجتماعية.
الأنصاري: الحبس ثلاث سنوات لمن يهمل رعاية المعاق
قال المحامي محمد الأنصاري ان المادة 166 من قانون الجزاء نصت على أن كل شخص يلزمه القانون برعاية شخص آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على ضرورات الحياة بسبب سنه أو مرضه أو اختلال عقله أو تقييد حريته، سواء نشأ الالتزام عن نص القانون مباشرة أو عن عقد أو فعل مشروع أو غير مشروع، فامتنع عمداً عن القيام بالتزامه، وأفضى ذلك إلى وفاة المجني عليه أو إلى إصابته بأذى، يعاقب حسب قصد الجاني وجسامة الإصابات بالعقوبات المنصوص عليها. وأردف بالقول: ان العقوبات المنصوص عليها في المواد المذكورة تتراوح من الإعدام حتى الحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، أما العقوبات الناشئة عن الإهمال وطبقا لنص المادتين 154، 164 فإن العقوبة فيها لا تتجاوز الحبس فيها ثلاث سنوات حتى أقل من سنة.
[/B]