0 تعليق
594 المشاهدات

ضريران يستمدان البصيرة من بحر الرمس



[B]
حرمت الإرادة الإلهية المواطنين محمد الهنياوي وحسن الحسيني، نعمة البصر، إلا أنها منحت لهما نعمة البصيرة التي هدتهما إلى الرضا بقضاء الله وقدره، والقدرة على التكيف مع إعاقتهما، بل واستمداد أسباب القوة من النعم الكثيرة المحيطة بهما، وأولها شاطئ بحر الرمس، المدينة التي احتضنتهما منذ الطفولة، وأكسبتهما قوة الإرادة التي تغلبت على عجز البصر واستعانت بالبصيرة، لتكون القائد لهما في رحلاتهما اليومية في البحث عن الرزق في عرض البحر، بهدف تحسين دخلهما البسيط المكون من راتب الشؤون الاجتماعية، الذي لم يعد يكفي وحده متطلبات الحياة المتزايدة في مجتمع دولة الإمارات.

تشابهت قصتا كفاح الهنياوي والحسيني في العناوين رغم اختلاف التفاصيل، فالاثنان من أبناء الرمس، بل ومن ذات الحي بمنزلين صغيرين هما عطية طيبة من عطايا الراحل الكريم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، والاثنان تخطيا الستين من العمر، ويتمتعان بروح معنوية عالية، يلتقيان يومياً لأداء الصلوات الخمس في المسجد القريب من منزليهما الملاصقين للبحر، بحر الرمس، الذي كان ولا يزال بطل حياتهما الذي يناديهم بصوت أمواجه ويحرك إرادتهما كما يحرك سارية السفن.

الرضا بالقضاء

يقول محمد الهنياوي، الذي حرم من البصر منذ الولادة، إنه لا يعرف تاريخاً لميلاده ولا يهتم بعدد السنوات التي قضاها من حياته، لأنه يتوكل على الخالق عز وجل في كل خطوة أو عمل يقوم به، وهذا الإيمان هو الذي مكنه من متابعة حياته بل والزواج والرضا بالنعم التي منحها الله له، حيث أهداه ثلاث بنات هنّ النور الذي تمكن من رؤية الحياة من خلاله، واللواتي حللن مكان أخيهن الذي يعاني تأخراً في جانب من جوانب النمو، وزوجة مخلصة تسعى جاهدة لتوفير الحياة المريحة له.

يضيف الهنياوي أن رغبته في توفير سبل العيش الكريم لعائلته إضافة إلى إصراره على إبقاء ذكرى والده المتوفى، دفعه للتمسك بإرثه الذي ورثه عن والده الذي قسم ما يمتلكه من الزرع والبحر بين ولديه، فكان البحر نصيبه الذي أصر على استمراره رغم كل المخاطر التي تحيط بأعمال البحر والصيد التي يشرف عليها بنفسه، حيث يخرج يومياً في موسم الصيد مع العمال الذين يعتبرهم جزءاً من عائلته ويتعامل معهم بكل ألفة ومحبة، مؤكداً أن الجزاء من جنس العمل وانه كلما كان تعاملك بخلق مع كل المتعاملين معك، بادلوك هذا الخلق وفاء وجهداً واجتهاداً في العمل، وهذا الأمر يغني عن كل المكاسب البسيطة التي يحصل عليها من جراء عمله الموسمي في البحر.

يؤكد أبو خالد أنه ورغم عدم حصوله لغاية اليوم على منحة الإسكان، وسعيه الدائم لإصلاح ما خلفه الدهر في بيته القديم الذي وصل عمره إلى اكثر من ثلاثين عاماً من مشاكل في السقف والإمدادات، والإضافات التي يحاول ان يوسع بها المنزل لتلبي احتياجات اسرته المتزايدة، خاصة بعد زواج ابنته وتوافد الأحفاد على البيت، وعدم كفاية راتب الشؤون الاجتماعية لمصاريفه المتزايدة، خاصة مع عدم عمل ابنه الوحيد بسبب الظروف الصحية التي يعاني منها، إلا انه سعيد بحياته وسعيد بالحب المحيط به من عائلته ومن جيرانه، بل ويؤكد انه محظوظ لكونه مواطناً في دولة الإمارات وأنه عاش عهد الخير في زمن المغفور له الشيخ زايد، ومازال يعايش مسار الخير الممتد في عهد خليفته صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مؤكداً أن السعادة في القناعة وفي العمل والرضا بما قسم الله.

سحر البحر

وإن كان محمد الهنياوي فقد ما لم يعرفه قط، فإن حسن الحسيني قد فقد ما عرفه، بل وعايشه، وربما يكون هذا هو الأصعب، ان تعرف الألوان وتحفظ الملامح وتميز التفاصيل، وذلك أن حسن فقد البصر تدريجياً، إلا أن هذا الأمر لم يمنعه حب الحياة بكل معنى الكلمة، وتكوين اسرة عريضة ساهمت ثلاث نساء في إنشائها ليضم بيته المتواضع أكثر من أربعة عشر فرداً، يملؤون حياة حسن ألواناً مفرحة لها اصوات مبهجة تعطيه القوة والرغبة في ان يهيئ لها البيئة المناسبة للنمو، ومن هنا كان التوجه للبحر إلزامياً لدعم راتب الشؤون الذي لا يسد وحده رمق هذه الأسرة الكبيرة.

يقول حسن ان البحر صديقه الذي لا يتركه وإذا تركه مرض، فصوت البحر ورائحته حاضرة في كل أنشطته اليومية، الصلاة بجانب البحر والسير على ضفاف شاطئ الرمس، والسمر مع الأصدقاء يشربون الشاي بنكهة رائحة البحر، وخوض الأمواج لتحصيل الرزق على مركبه الخاص، ورغم كل المخاطر التي تحفه بسبب ظروفه الصحية، إلا أنه يؤكد أن ارتياد البحر يمده بالقوة والصحة، بل إن غيابه عن البحر والصيد خلال الفترة الحالية لانقضاء موسم الصيد، قد سبب له آلام في القدمين أزعجته أكثر من غياب بصره.

وعن أحلامه وتمنياته يبين حسن أنه يتمنى أن يحظى بالصحة والقوة التي تمكنه من ارتياد البحر، لكن بهدف الترويح عن النفس وليس العمل، مبيناً أن حب البحر قد سكنه وداواه من جراح فقد البصر، بل ومده بالقوة والإرادة كي يستمر في حب الحياة، وينطلق بقوة برفقة العصا التي يهتدي بها إلى كل شبر من مدينته التي سكنته حباً وشغفاً مدينة الرمس.
[/B]

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3775 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4151 0
خالد العرافة
2017/07/05 4691 0