روى الإمام ابن حبان، رحمه الله، في كتاب الثقات قصة عجيبة لمعاق من أشهر المعاقين في تاريخ المسلمين وهو الإمام الكبير العلم أبو قلابة الجرمي عبدالله بن يزيد وكان من الرواة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ويروي هذه القصة عبدالله بن محمد.
قال: خرجت مرابطا في عريش مصر، فبينما أنا أمشي إذ مررت بخيمة وسمعت رجلا يقول: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.. النمل:19).
قال: فنظرت إلى هذا الرجل الذي يدعو فإذا هو معاق، وقد فقد يديه ورجليه، وفقد بصره، وثقل سمعه، فجئته وقلت له: يا عبدالله إني سمعتك تقول كذا وكذا، فعلى أي شيء تحمد الله؟ فقال له: يا عبدالله والله لو أرسل الله الجبال فدمرتني، والبحار فأغرقتني، ما وفيت نعمة ربي على هذا اللسان الذاكر، ثم قال له: لقد فقدت ابني منذ ثلاثة أيام، فهل تلتمسه لي؟ وكان ابنه هذا يوضئه ويطعمه، فقلت له: والله ما سعى أحد في حاجة أحد أفضل من حاجتك.
قال: فتركته وخرجت أبحث عن الغلام، فما مشيت قليلا إلا وأبصرت عظمه بين كثبان من الرمل، وإذا بسبع قد افترسه، قال: فوقفت وقلت: كيف أرجع إلى صاحبي وماذا أقول له؟ وجعلت أتذكر، قال: فتذكرت أيوب عليه السلام فلما رجعت إليه سلمت عليه، فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى.
قال: فماذا فعل ولدي؟ قلت: هل تذكر أيوب عليه السلام؟ قال: نعم.
قلت: ماذا فعل الله به؟ قال: ابتلاه الله عز وجل في نفسه وفي ماله، قال: فكيف وجده؟ قال: وجده صابرا، قال: ولم يكن ذلك فقط، إنما انفض عنه القريب والبعيد، ورفضه القريب والبعيد، قلت: وكيف وجده؟ قال: وجده صابرا، يا عبدالله ماذا تريد؟ فقال له: احتسب ولدك، فإني وجدت سبعا افترسه بين كثبان الرمل، قال: الحمد لله الذي لم يخلق مني ذرية إلى النار، وشهق شهقة فخرجت روحه فيها، قال عبدالله بن محمد: فقعدت حائرا ماذا أفعل، لو تركته لأكلته السباع، ولو ظللت بجانبه ما استطعت أن أفعل له شيئا.
قال: فبينما أنا كذلك إذا هجم علي جماعة من قطاع الطرق، فقالوا: ما حكايتك؟ فحكيت لهم الحكاية، قالوا: اكشف لنا عن وجهه، فكشفت عن وجهه فانكبوا عليه يقبلونه وهم يقولون: بأبي عينا طالما غضت عن محارم الله، وبأبي جسما كان على البلاء صابرا، قال: فغسلناه وكفناه ودفناه، ثم رجعت إلى رباطي.
قال: فنمت فرأيته في منامي صحيحا معافى، فقلت له: ألست بصاحبي؟ قال: بلى.
قلت: فما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة وقال لي: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.. الرعد:24) فهذا كان معاقا لكن سلم قلبه.