[B] أكتب هذا المقال أثناء زيارتي إلى واشنطن دي سي حالياً و قبل عدة أيام, قابلت بعض الصم العرب هنا في العاصمة الأمريكية وذكر واحد منهم أن الأصم اللبناني حسين اسماعيل وهو أول أصم عربي يحصل على الدكتوراه في تربية وتعليم الصم من أحدى الجامعات البلجيكية بعد استطاع بقوة إرادته وعزيمته ولا يعرف المستحيل رغم أنه أصم و يعتبر فخراً للعرب ولا بد أن نفتخر به جميعاً .
أعلم جيداً أن الكثير من العرب يستغربون هذه المعلومة وربما لا يصدقون و يسألون أنفسهم سؤالاً : ” كيف حصل على الدكتوراه وهو أصم ؟” هذا السؤال طبيعي لأنهم يعتقدون أن الأشخاص الصم غير قادرون على أكمال تعليمهم العالي لأسباب مختلفة . أجزم أن أعتقادهم خاطئ تماماً لأن الأشخاص الصم مثلهم مثل الأشخاص السامعين إلا اللغة سوى اللغة فقط وهي لغة الإشارة. أتمنى أن يقراً الجميع عن ثقافة الصم ولغتهم الخاصة بهم ليدرك الواقع وهذه الحقيقة لا يمكن تجاهلها .
أعلم جيداً أن هناك الأصم السعودي زهير الصايغ وهو أول أصم سعودي يحصل على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف في تخصص تربية وتعليم الصم من أحدى الجامعات الأمريكية في عام 2000م و يعمل معلماً حالياً في مدرسة الصم بولاية ماري لاند الأمريكية . نعم هو أول أصم سعودي ينال الماجستير في تاريخ المملكة و لكن المجتمع السعودي لا يعرف عنه شيئاً منذ عام 2000م .
قابلت للأستاذ زهير الصايغ خلال دراستي الجامعية في واشنطن دي سي قبل عدة سنوات و سألت له ” لماذا لم تعيش وتعمل في السعودية بعد حصولك على الماجستير و خبرتك المفيدة وأعتقد أن مجتمع الصم السعودي يستفيد منك ؟” فقال بحرق: أتمنى ذلك ولكني لا أستطيع لأني حاولت الحصول على الوظيفة المهنية كمعلم في السعودية بعد تخرجي ولكن الصدمة التي صدمت بها وهي أنني لم أتمكن من الحصول على وظيفة معلم أكثر من سنتين وأنا أطرق جميع أبواب المؤسسات الحكومية والخاصة بلا أية فائدة بسبب أنني “مجرد أصم ” و قررت العودة إلى أمريكا وحصلت على الوظيفة المناسبة والحمد لله على كل حال” . يبدو لي أنه متألم كثيراً لأنه يريد أن يعمل معلماً في السعودية لأنه سعودي و لكن من يعطي له فرصة العمل؟!
شعرت بالحزن وحاولت أن لا أتفق معه في هذه النقطة ولكنه صادق تماماً لأن مجتمع العربي, بشكل عام, ينظر إلى الصم نظرة ناقصة فعلاً ولا بد من زرع ثقافة أحترام لفئة الصم و قدراتهم الخاصة والمتطورة و أحترام حقوقهم داخل المجتمع نفسه وهم بشر مثلنا فالصم ليسوا أقل من السامعين .
إن فقدان السمعي لا يتسبب في التأثير السلبي على مستوى التعليم العالي و عدم قدرتهم على التعلم كما يعتقد الكثير في العالم العربي مع الأسف . البحوث والدراسات تثبت أن الكثير من الصم في الدول المتقدمة ناجحون في الدراسة و القيادات الإدارية و هناك أكثر من 700 أصما وصماء من الحاصلين على تخصصات أدبية و علمية ما بين الماجستير و الدكتوراه و حصلوا على مناصب عليا وحيوية في المؤسسات الحكومية والخاصة . هناك الأشخاص الصم – على سبيل المثال – الدكتور ادم كوسا, هنغاري الجنسية, أول أصم أوربي عضو في البرلمان الأوربي و رئيس الاتحاد الدولي للصم, الاسترالي كولين الين وهو أصم . بالإضافة إلى أن رئيس جامعة قالوديت الامريكية الدكتور الن هورويتز وهو أصم و نائبة رئيس جامعة نورث كالورنيا الامريكية الدكتورة جين فرنانديز وهي صماء أيضاً, والكثير من الاساتذة و العلماء هم من فئة الصم وضعاف السمع.
لا شيء مستحيل مع العزيمة و الإرادة والصبر فهؤلاء الأشخاص الصم لا يعرفون المستحيل و ينظرون إلى الحياة بمنظور مختلف مليء بالطموح و مكلل بالنجاحات و الإبداعات وتنمية الأختراعات . إن الإرادة و الصبر والعزيمة و التحدي تصنع المعجزات و النجاحات والإنجازات .
السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا عن هؤلاء الصم العرب ممن يحصلون على الشهادات العليا ؟ و هل يتم إعطاء فرصة لهم للحصول على مناصب كبيرة ومهمة في المؤسسات الحكومية و الخاصة في العالم العربي مستقبلاً ؟ أرى أن الإجابة ستكون ” لا ” بسبب, في تقديري, نظرة ناقصة أتجاهم و غياب ثقافة حقوق الصم لدى مجتمعاتنا و فقدان الثقة بهم, و الحل الوحيد هو زرع ثقافة حقوق الصم وأدراك قدراتهم الاستثنائية ومهاراتهم المميزة داخل المجتمع نفسه أولاً و أخيراً و من ثم إعطاء لهم فرصة العمل و نرى النتيجة .
منقول بقلم / حمد بن عبدالعزيز الحميد[/B]