رمضان في البال.. صفحة نفتحها خلال الشهر المبارك لنستضيف فيها مجموعة من الشخصيات التي تمثل مختلف الفئات لتحدثنا عن علاقتها بهذا الشهر، وما يحدثه من تغيير في الروتين اليومي، والتزام بعادات وتقاليد تتناسب مع الأجواء الرمضانية، والذكريات المرتبطة بها، وتأثير الشهر الفضيل في حياتهم وعملهم وعاداتهم اليومية، مع إطلالة على المجال الذي يعمل فيه كل واحد من هذه الشخصيات، حتى نستطيع تكوين صورة كاملة عنها.
نلتقي اليوم مع رئيسة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لاختلافات التعلم (كالد)، آمال الساير التي تحدثت عن الجمعية ونشاطها وإنجازاتها والدافع وراء تأسيسها، وكذلك عن جوانب من اهتماماتها وشؤونها الشخصية وعلاقتها مع شهر رمضان المبارك منذ الطفولة وحتى اليوم.
ارتبط اسمك بالجمعية الكويتية لاختلافات التعلم (كالد)، اخبرينا عن علاقتك بالجمعية كرئيسة ومؤسسة لها؟
– هي علاقة عمرها ثماني سنوات، بدأت بإيمان قوي ودعم كريم وعمل جاد. ما ان تبلورت الفكرة بإنشاء جمعية نفع عام رسالتها خدمة الطلبة ذوي صعوبات التعلم، أو اضطراب تشتت الانتباه وفرط النشاط، حتى منَّ الله علينا بدعم كريم من مؤسسة مبرة مشاريع الخير مكننا من تأسيسها وتكوين فريق عمل لها، وفريق من التربويين وأولياء الأمور الذين شكلوا مجلس إدارتها، ومؤازرة عدد كبير من الاصدقاء والمتطوعين، حيث عمل الجميع بجد وتفان للوصول الى ما وصلت اليه الجمعية اليوم.
أساليب خاصة
تعنى الجمعية بـ«صعوبات التعلم» ولكنكم استخدمتم «اختلافات التعلم» عند تسميتها. هل يمكن توضيح ذلك؟
– «صعوبات التعلم» هو الاسم العلمي، والطالب الذي تكون لديه صعوبة تعلم يكون معدل ذكائه متوسطا او فوق المتوسط، ولكنه يواجه مشاكل في واحدة أو أكثر من المهارات الدراسية: القراءة والكتابة والرياضيات وأحيانا المهارات الاجتماعية. هذا الطالب يختلف بطريقة تعلمه عن الآخرين، وهو قادر ليس فقط على التعلم بل على التفوق أيضا، ولكنه بحاجة الى أساليب تدريس خاصة من قبل معلمين مهيئين. ومن هنا كان القرار في التركيز عند تسمية الجمعية على الحل وليس على المشكلة.
منذ عام 2007 وحتى اليوم ما أبرز المحطات والإنجازات التي حققتها «كالد» للفئات المستهدفة؟
– اعتبر ما قامت به الجمعية خطوات في الاتجاه الصحيح وليست انجازات، بمعنى اننا لا نزال نسعى الى هدفنا الاول وهو تحقيق العدالة في التعليم المناسب لكل إنسان. ولكن قطعنا شوطا لا بأس به في توعية المجتمع بشكل عام وفي إيصال صوت وهموم هؤلاء الطلبة وأولياء أمورهم إلى العديد من الجهات الحكومية والخاصة. ومن اهم المحطات في مسيرتنا اطلاق جائزة كالد للمعلم المتميز في مجال تدريس الطلبة ذوي صعوبات التعلم واضطراب تشتت الانتباه وفرط النشاط، وهي الاولى من نوعها في العالم العربي. واعطينا الطلبة اهتماما نوعيا بتنظيم مخيمات داخل الكويت وخارجها لتعويدهم الاعتماد على النفس وتطوير مهاراتهم الاجتماعية، وأقمنا مسرحا للمواهب يعطيهم الفرصة لتقوية ثقتهم بنفسهم.
خطة واضحة
إلى أي حد باعتقادك هناك وعي لدى أولياء الأمور والمسؤولين عن التعليم بوجود مشكلة اسمها إعاقة تعلمية؟
– الوعي موجود الى حد لا بأس به والحمد لله، ولكنه لا يكفي من دون وجود خطة جادة وواضحة للعمل حتى لا نحرم عددا كبيرا من الطلبة من حقهم في التعليم الذي يأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم حتى يكونوا اعضاء فاعلين في المجتمع. وهنا اود ان انوه بان الاحصائيات العالمية تدل على نسبة الطلبة الذين لديهم صعوبات تعلم هي من %5 الى %10، وهذا عدد كبير جدا، خصوصا أن الطالب ليس هو الشخص الوحيد التي تتأثر حياته سلبا بهذه الصعوبات فجميع افراد الاسرة يعانون معه.
كيف تعرف الأم أن ابنها- أو ابنتها- يعاني إعاقة تعلمية؟
– ينصح الخبراء الأم بأن تثق بحدسها عندما يتعلق الامر بأولادها، فهي أدرى الناس بهم وتستطيع ملاحظة اي أعراض قد تدل على وجود صعوبة تعلم لديهم. ولهذا السبب قامت الجمعية منذ تأسيسها بإطلاق موقعها الالكتروني www.kaldkuwait.com، حتى يكون مصدرا موثوقا للمعلومات حول صعوبات التعلم واضطراب تشتت الانتباه وفرط النشاط، كالأعراض في مختلف مراحل العمر والخطوات التي يجب اتخاذها ومصادر الدعم كالمراكز والمدارس المتخصصة والمعلومات الضرورية التي تساعد أولياء الأمور وكذلك المعلمين.
ما المطلوب تقديمه من اولياء الامور والمعلمين لمساعدة هذه الفئة؟
– الخطوة الأولى الوعي بالمشكلة وأبعادها، والخطوة الثانية تقبّل الأبناء كما هم، والخطوة الثالثة السعي لإيجاد الحلول وطرق التعامل المناسبة كي يمكنوهم من النجاح في شتى نواحي الحياة. أما المعلم فهو أول من يستطيع مساعدة الأهل عندما يلاحظ وجود بعض الاعراض لدى طالب ما، عندها وبموافقة الأهل يطلب مساعدة المختص لإجراء تشخيص يحدد الصعوبة وكيفية التعامل معها.
تشددين على ضرورة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين تعليميا بالمجتمع.. ألا تخشين أن يكونوا عرضة للاستهزاء من الأطفال الآخرين؟
– مشكلة الاستهزاء او ما يسمى بالتنمُّر Bullying تحصل مع الكثير من الطلبة وليس فقط لمن لديهم صعوبات تعلم، حتى الطالب المجتهد قد ينعت بكلمة nerd. عدد كبير من المشاهير تعرضوا للسخرية بسبب اختلافاتهم، ومنهم الممثلة المشهورة انجيلينا جولي التي عانتها بسبب طول قامتها.
فالدمج يبقى هو الأفضل على ان تكون المدرسة مهيأة للتعامل مع كل أنواع المشكلات، مثل التنمر وغيرها حيث دلت الدراسات الى ان امكانية استفادة طلبة الصف المختلفين في قدراتهم الاكاديمية بعضهم من بعض اكبر من طلبة الصف الذي تتساوى هذه القدرات عندهم. كما ان للدمج فوائد نفسية واجتماعية، حيث يعلم الطلبة تقبل الاخرين، ويشعر الطلبة الذين لديهم اختلافات بانهم جزء من مجتمعهم قادر على الانجاز.
روحي وعملي
ننتقل من العام إلى الخاص لنسألك عن آمال الساير.. من هي بنظر نفسها وكيف تقدمين نفسك للقارئ.. كامرأة وأم ومواطنة؟
– هناك جانبان لشخصيتي كامرأة: الجانب الروحي الذي عماده الإيمان بالله وغايته العيش بسلام مع نفسي ومع الآخرين.. والجانب العملي الذي يتمثل باجتهادي في عملي في جميع أدواري. اعتبر دوري كزوجة وأم اجمل ما انعم الله به علي، وضاعفه عندما رزقني بالأحفاد. اما كمواطنة فانا عاشقة للكويت واهلها ليس فقط بالقول بل بالفعل ايضا.
أنت ابنة الساير العائلة العريقة في الكويت.. ماذا يعني لك الانتماء لهذه الأسرة؟
– أنا فخورة بانتمائي الى هذه الاسرة، ليس لأنها إحدى العائلات الكبيرة والمعروفة في الكويت، بل لما عرف عن أبنائها من حب التواصل بينهم وحب الخير للجميع. أتمنى لعمي ناصر محمد الساير الصحة والعافية وطول العمر، واترحم على والدي احمد الساير وأعمامي مساعد وخالد وعبدالرحمن ومحمد وخليفة الذين كانوا مثالا لحب الكويت واهلها الطيبين.
ما الذي يشغل بالك هذه الأيام؟
– طبعا هناك هموم عامة وهموم خاصة لكل إنسان، فعلى المستوى العام أخشى انعكاسات الأحداث الجارية ليس فقط على الكويت بل على ملايين الناس الذين قضوا أو هُجروا من بيوتهم واوطانهم. اما على الصعيد الشخصي فانا اشارك أولياء الامور الذين لديهم ابناء يعانون صعوبات التعلم قلقهم حول مستقبل ابنائنا في التعليم. فابني الأصغر قضى السنوات الاربع الأخيرة من دراسته في مدارس خارج الكويت، لأننا لم نجد له مدرسة تلبي احتياجاته، والآن تخرج ونود ان يكمل دراسته الجامعية في الكويت فهل سيكون هذا ممكنا؟
أجواء رمضان
نعيش في أجواء شهر رمضان المبارك.. ماذا يعني لك هذا الشهر؟
– كغيري، اعيش الاجواء الرمضانية المفعمة بالروحانيات والتواصل والحب، واتمنى ان تزداد مع الايام والا تخطف منها الامور المادية رونقها وروحانيتها. أحب فترة لي في رمضان هي تلك التي اقضيها في اداء مناسك العمرة في مكة كل عام.
بين رمضان الطفولة ورمضان اليوم ما الذي تغير على مستوى العادات والتقاليد والعلاقات بين الناس؟
-مع ان الحياة كانت أبسط فان العادات والتقاليد لم تتغير مع مرور الزمن، مازلنا نحرص على التواصل وزيارة الكبار من العائلة ونبارك لهم بالشهر الكريم ومازلنا نرسل ونستقبل «النقصة» من الاهل والجيران، ولا يزال صوت الاطفال يطربني وهم يغنون في القرقيعان وان اصبحت الحلوى مئة نوع ولون.
صفي لنا يومك الرمضاني وهل لديك عادات تلتزمين بها خلال الشهر المبارك؟
– يومي الرمضاني لا يختلف كثيرا عن اليوم العادي من ناحية الواجبات المنزلية والعمل في الجمعية، أما من ناحية العبادة فانا والحمد لله أخصص لها جزءا من النهار ومن الليل. كما انني احرص على تكون فترة ما بعد الافطار مخصصة لعائلتي الصغيرة لشرب الشاي وتناول الحلويات وبعدها اقوم بالتواصل مع عائلتي الكبيرة واقوم بزيارتهم.
هل جربت تمضية رمضان خارج الكويت.. أين ومتى وكيف كانت هذه التجربة؟
– بعد الغزو اضطررنا الى العيش في بريطانيا وافتقدت جو رمضان في الكويت حينها، ولم يخفف عني إلا إصرار ابني مبارك على الصيام الساعات الطويلة بالرغم من صغر سنه.
لا مكان للفتنة
عبرت الساير عن مشاعرها تجاه ما شهدته الكويت مؤخرا قائلة: اترحم على جميع الشهداء الذين قضوا في التفجير الغاشم، وأطلب من الله ان يسكنهم جنته ولأهلهم الصبر والسلوان. بالطبع لقد هزني هذا الحادث كما هز كل كويتي ووافد محب للكويت، ولكن عندما رأيت كيف تراكض الناس للتبرع بالدم ثم للصلاة في المساجد ثم لتقديم العزاء، شعرت بطمأنينة وبان الفتنة لن يكون لها مكان بيننا باذن الله. ايماني بان بعد الشدة الفرج، وبأن الله سيحمي الكويت كما حماها دائما.
الحياة هبة
قالت آمال الساير ان التجارب علمتها أن الإيمان يبدأ بتقدير نعمة الله علينا، وان الحياة هي هبة من الله سبحانه وتعالى، وعلينا ان نستمتع بها ونثريها بعمل الخير. اما بالنسبة للتحديات والصعوبات التي نمر بها فلا نملك الا ان نبذل افضل ما عندنا لتخطيها، وان نفوض امرنا الى الله ونتوكل عليه.
المصدر : سهام حرب \ جريدة القبس