لم تمر قضية «المسنين المنسيين» التي طرحتها «الراي» في بداية السنة وتحولت قضية رأي عام، من دون أن تحط على طاولة البحث والاهتمام الحكومي لإيجاد معالجة مؤسسية ورسمية لقضية مجتمعية بالغة الأهمية وتحتاج إلى تضافر الجهود الرسمية والأهلية.
ومع الاهتمام الحكومي الجدي بقضية «المسنين المنسيين» في المستشفيات الحكومية، تعقد في الخامس من مايو المقبل حلقة نقاشية تشارك فيها 18 جهة حكومية وأهلية وجمعيات نفع عام ومنظمات خليجية وعالمية مختصة في مجال رعاية المسنين لبحث المشكلة، والتي يبدو انها تسير على سكة الحل مع التوجه نحو إنشاء لجنة وطنية عليا خاصة لرعاية المسنين، وآمال مستقبلية لانشاء الهيئة العامة لرعاية المسنين.
وترجم مكتب الانماء الاجتماعي التوجيهات الحكومية باجتماعات عدة تم خلالها بحث القضية وأبعادها وطرح الحلول المناسبة لها.
وفي هذا الإطار ترأس المدير العام لمكتب الإنماء الاجتماعي الدكتور عبدالله سهر أخيراً اجتماعاً مطولا حضره ممثلون عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الصحة ومكتب الإنماء الاجتماعي والهيئة العامة لشؤون الإعاقة، قدمت خلاله كل جهة رؤيتها لهذه القضية.
وفيما شدد سهر خلال الاجتماع على ان هذه ظاهرة «المسنين» حالة طبيعية يمكن علاجها في المنزل، أثنى على اهتمام وزارة الصحة بهذه الفئة، لافتا على ان للمسنين حق المعيشة بالحياة الطبيعية.
وتساءل سهر خلال الاجتماع عن هذه الظاهرة وهل هي حالة طارئة يمكن علاجها؟ أم هي مجرد حالات فردية؟ وهل هناك لجان متخصصة تعني بهذا الموضوع من عدمه وما السبيل لحلها؟
وقال إنه طلب من وزارة الصحة تزويد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة بالاسم والرقم المدني لـ«المسن المنسي» في المستشفى، والذي قام الاطباء بإعطائه توصية خروج من المستشفى ولم يتسلمه أهله لاعتبارات غير موضوعية أو نتيجة اهمال حتى يتسنى للجهات المختصة ايقاف المزايا المالية التي يتقاضاها المسن.
وأكد ان «ثمة توجهاً عاماً من الحكومة لعلاج مشكلة رعاية المسنين»، لافتاً إلى ان «هناك مؤشرات بالخطة الخمسية تفيد عن كيفية تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية للجميع».
وأوضح سهر ان «مؤشرات الدخل القومي تعتبر دولة الكويت ضمن 10 دول في هذا المؤشر، وفي المرتبة العشرين ضمن مؤشرات التنمية الاجتماعية، وذلك لأسباب عدة أهمها غياب المعلومات وعدم وجود المعيار لرعاية المعاقين»، مبينا انه «لا يوجد تنسيق أو متابعة لتقديم المعلومات والبيانات لمن يطلب هذا الأمر دولياً، بالاضافة إلى ان هناك مواضيع لا تتم معالجتها بطريقة صحيحة».
وأشار سهر إلى «الاعداد لحلقة نقاشية ينظمها مكتب الانماء الاجتماعي في مقره ودعوة 18 جهة حكومية وأهلية وجمعيات نفع عام ومنظمات خليجية وعالمية مختصة في مجال رعاية المسنين تقرر انعقادها في الخامس من مايو المقبل لطرح مشاكلهم وايجاد الحلول بالتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص».
وأوضح ان المكتب «سيقدم اقتراحاً بتشكيل لجنة خاصة لمتابعة أمور المسنين يكون في عضويتها جميع الجهات ذات الصلة شريطة أن يكون مشفوعاً بتقرير مفصل لتلك الجهات المنوط بها لمتابعة شؤون المسنين والوقوف على حاجاتهم مدعما بآراء علمية تعبر عن اختصاص كل جهة».
وتحدثت خلال الاجتماع أيضا الوكيلة المساعدة للرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل د. فاطمة الملا ومدير ادارة رعاية المسنين في الوزارة سعد الخراز عن موضوع الايواء للمسنين ومدى حاجتهم أكثر بكثير من الرعاية الصحية الأولية، حيث لا بد من الرعاية الاسرية، مشيرين إلى ان وزارة الشؤون ووزارة الصحة تشتركان في توفير هذه الرعاية.
وبينت الملا أنه «منذ 1998 وجدت رعاية متنقلة للمسنين، حيث كانت الأعداد في ذلك الوقت قليلة، ولكن العدد الآن ارتفع ليصل إلى 3460 مسناً تحت رعاية وزارة الشؤون الاجتماعية، شُكلت فرق رعاية لخدمتهم مكونة من (طبيب وأخصائي طبيعي وارشاد ديني ونفسي واجتماعي)، لكن أعداد هذه الفرق قليلة مقارنة بالأعداد التي تخدمها من المسنين الذين يحتاجون لرعاية قد تكون أكثر بكثير من تلك التي تؤديها الادارة لهم لأسباب لوجستية وفنية بحتة سواء من ناحية عدد الأطباء أو الممرضين أو غير ذلك»، لافتة إلى «ضرورة زيادة أعداد الفرق وذلك للتواصل مع أسرة المحتاج من المسنين للرعاية الأسرية والرعاية التمريضية بصورة أفضل حيث إن هذا أمر يحتاج إلى تضافر جهود مؤسسات الدولة».
كما أفادت فاطمة الملا ان «إدارة المسنين تتجه لوضع لائحة تنظيمية لوضع الأمور في نصابها القانوني الصحيح من حيث الرعاية الاجتماعية لكبار السن، تمنح الموظفين وفقاً لقانون الرعاية الاجتماعية للمسنين رقم ( 11/ 2007) من الحصول على الضبطية القضائية».
بدوره، ذكر الخراز أن «هناك تقارير دورية ترفع من الرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية للاخصائيين عن هذه الحالات»، منوهاً إلى ان «ترك المسن في المستشفى يحتاج إلى دعم ليواكب الزيادة المرتقبة في أعداد المسنين حيث ان هناك الآن قرابة 45 ألف مسن كويتي في الوقت الراهن لمن بلغوا سن الـ 65 بالدولة».
وأضاف أن «ثمة معوقات تواجه عمل الفرق مثل قلة الكوادر الطبية والنفسية والاجتماعية وما ينتج عنها من تباعد المواعيد لمعالجة المسنين الذين تزداد أعدادهم يوماً بعد يوم».
وطالب الخراز بـ«تفعيل الضبطية القضائية للقانون رقم 7/ 2011 للحد من هذه المشكلة وألا تتطور إلى أن تصبح ظاهرة مجتمعية»، مشيراً إلى ان «قانون 7/ 2011 حدد المسن بأنه الشخص الذي تجاوز سنه 65 عاماً ولديه مشاكل صحية وأوجد القانون عقوبة للمخالف للقانون في عدم رعايته للمسن تتمثل في وقف الدعم المالي الذي يصرف من وزارة الشؤون ومن هيئة الاعاقة اذا كان المسن معاقاً، بالاضافة إلى الجزاء العقابي الذي يصل إلى السجن 3 سنوات بعد انذاره لمرة واحدة فقط، ثم احالته للنيابة واعتباره مرتكب جنحة مخلة بالأمانة والشرف باعتبار المسن أمانة لدى الكفيل الراعي له، وعدم قيامه بواجبه في رعايته يعتبر خيانة للأمانة واستيلاءً وتعدياً على المال العام من خلال الاستفادة من الرواتب التي تصرف للمسن».
وشدد على ضرورة «التنسيق بين وزارتي الشؤون والصحة في ما خص استفادة وكيل المسن من المقابل المالي من وزارة الشؤون».
اما في ما يخص وزارة الصحة في هذا الجانب، فقد أشارت مديرة ادارة الخدمات الصحية لكبار السن في الوزارة الدكتورة ابتسام الهويدي إلى «وجود تقارير وافية بما يتم من رعاية لكبار السن، وان هناك تواصلا بين وزارتي الصحة والشؤون في شأن المسنين»، مبينة «اننا نحتاج الى تفعيل قانون المسنين (11/ 2007)».
وشددت الهويدي على ان «وزارة الصحة لا تترك مجالاً للمجاملات على حساب تطبيق القانون، وان الوزارة على استعداد للتعاون بشكل كبير لانهاء هذه المسألة»، مشيرة إلى ان «إقامة المسنين في المستشفيات قد تكون فيها تكلفة بحسب حالة كل مسن».
ولفتت إلى أنه «يوجد لجنة من وزارة الصحة بحيث اذا تم اخراج المسن من المستشفى يوجد له بديل آخر وهو رعايته عن طريق الخدمة المنزلية المتنقلة، واننا نحتاج الى قاعدة بيانات من وزارة الشؤون عن الخدمة المنزلية واعمالها».
وأيدت الوكيلة المساعدة للرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتورة فاطمة الملا ما ذكرته الهويدي، مبينة أن «لجنة المسنين تحتوي على اختصاصيين في جميع المجالات (نفسية، اجتماعية، طبية، الخ)، حيث تتعاون الجهات كافة لتقديم افضل خدمة للمسنين»، موضحة ان «الفريق الواحد يقوم بمعالجة ما لا يقل عن 3 الى 5 حالات في اليوم الواحد».
وعن دور الهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة في ايجاد الحلول لهذه المشكلة خصوصا المسنين المعاقين فقد أكد المستشار الاجتماعي في الهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة ناصر الشليمي ان «المشكلة اجتماعية ومجتمعية وصحية مجتمعية، فمنذ صدور قانون 57/ 1996 الذي انشأ المجلس الأعلى للمعاقين بوزارة الشؤون الى عام 2010 كان هناك 30 ألف معاق وفقاً لذلك القانون»، مشيراً الى انه «منذ 2010 وحتى 2014 وصل العدد إلى 50 ألف معاق وهي زيادة غير طبيعية بالاضافة الى وجود 134 ألف طلب للنظر في امرهم»، لافتا ان ذلك «يعود لرغبة المتقدمين في الاستفادة من المزايا المادية والمعنوية التي تقدم لذوي الاعاقة حتى ان كل شخص يتمنى ان يكون معاقا بالرغم ان المعاق لا يحتاج الى مبالغ مادية انما يحتاج الى رعاية معنوية وصحية ونفسية».
واعتبر الشليمي ان «الوضع في الهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة متقدم عن وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حسب القانون 8/ 2010 حيث انه لم يستثن أحداً او يميزه عن آخر، ولا يستثنى المعاق المسن بعد سن الـ 60 سنة وله الحق في الاستفادة من الخدمات كافة بما لا يتعارض مع احكام القانون رقم 11/ 2007 الخاص بالمسنين».
وافاد ان الهيئة «شكلت لجاناً لحسم مشكلة تزايد الحصول على شهادة الإعاقة للاستفادة من المميزات ووضعت الامور في نصابها الصحيح».
وأشار الشليمي إلى «مشاريع تعاون بين الهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة مع معهد الكويت للأبحاث العلمية، وكذلك مشروع تعاون مع وزارة الاوقاف لاستمرار خدمات المسنين»، لافتا الى ان «الهيئة حمّلت ملفات المسنين بالميكنة بدل من الملفات الورقية حيث تم تحميل اكثر من 5515 ملفاً عن المسنين».
من جانبه، قال المستشار القانوني والتنظيمي في مكتب الانماء الاجتماعي الدكتور فايز النشوان ان «موضوع المسنين الذي سلطت الضوء عليه جريدة (الراي) مشكورة قد لاقى اهتماماً بالغاً من الحكومة ومن القيادة السياسية، الامر الذي يجعل مكتب الانماء الاجتماعي في موقع المسؤولية للتحرك السريع في هذا الموضوع وايجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة».
واوضح النشوان ان «المشكلة تقوم على سببين، الاول الأسرة، والثاني وزارة الصحة، حتى ان الاسرة تعتبر مقصرة في الرعاية والعناية بالمسن وكذلك تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية والطبية له، والعلاج يختلف من حالة إلى أخرى باختلاف طابع المشكلة».
وشدد النشوان على «ضرورة مخاطبة الوزارة لأسرة المسن بعد تقديم الرعاية الصحية الأولية له، وابلاغهم انه لا يحتاج للمكوث بالمستشفى ما يوجب تسلم المسن من اسرته بأسرع وقت وعدم ترك اي مجال للمجاملات»، مطالبا بتفعيل قانون المسنين رقم 11/ 2007 في حق المقرين منهم في رعاية المسن في حال عدم الاستجابة.
وأوضح النشوان ان «مكتب الانماء الاجتماعي في صدد الإعداد والتنسيق مع وزارة الشؤون لتقديم دورات تدريبية في كيفية التعامل مع المسنين نفسياً واجتماعياً وصحياً ومعنوياً، خصوصاً ان معظم الموظفين من الشباب والمقيمين، كما ستتم مخاطبة وزارة الداخلية لحل مشكلة المسنين الوافدين سواء بالإسرع في حل قضاياهم او دفع الغرامات عنهم بالتنسيق مع الجهات الخيرية وكذلك التنسيق مع وزارة الخارجية لابعاد المسنين الوافدين لبلدانهم».
وكشف النشوان ان «الاحصائيات تدل على ان في الكويت 37 ألف مسن ممن تجاوزت أعمارهم 65 عاما، ولذا فهم بحاجة الى انشاء اللجنة الوطنية العليا لرعاية المسنين والتي نطمح إلى ان تكون تابعة لمجلس الوزراء لتقديم افضل الخدمات لهم من خلال التنسيق بين الوزارات والهيئات الحكومية على أمل ان يتطور الأمر لانشاء الهيئة العامة لرعاية المسنين في المستقبل لتحقيق افضل حياة لآبائنا وحتى لأنفسنا».
وفي الإطار نفسه، اعتبر مدير إدارة الخدمات الاستشارية في مكتب الإنماء الاجتماعي بدر العرادة ان «هذه الظاهرة تعاني منها دول العالم كافة»، مبينا ان «علاج المشكلة سواء عن طريق التواصل مع الأسرة أو بقاء المسن في المستشفى يحتاج إلى اهتمام الجميع وتضافر جهود مؤسسات الدولة كافة (الهيئة والصحة والشؤون والإعلام)، فضلا عن ضرورة تفعيل دور الرعاية المجتمعية من خلال الفرق في جهات الدولة».
وعن الرقابة على من يعتمد إذا كان الشخص معاقا أم لا في هيئة شؤون ذوي الاعاقة، وعلى من يوصي من الأطباء بإبقاء المسن في المستشفى، أكد ممثلو الجهتين ان ثمة لجاناً خاصة لمراقبة الموظفين المختصين والأطباء المسؤولين عن إعطاء مثل هذه التوصيات.
المصدر : ناصر الفرحان \ جريدة الراى