يشكو الجميع من مصاعب الحياة اليومية، ازدحام الشوارع ووسائل المواصلات، فما بالك إذا لم تجد وسيلة مواصلات لتعود لمنزلك، تاكسي.. أتوبيس.. ميكروباص.. لا فرق في نوعية الوسيلة فالجميع يرفضون أن يقلوك، ما نوع تلك الحياة التي يكون مجرد خروجك إلى الشارع عذابا لا يدركه كثيرون.
عايشت محررة “مصر العربية” المشقة اليومية لذوي الإعاقة في شوارع مصر عبر التحول لواحدة منهم، لمحاولة رصد أبرز الصعوبات التي تواجههم عند خروجهم من منازلهم.
البحث عن كرسي متحرك:
لم تكن المرحلة الأولى بالسهولة التي توقعناها، حيث كانت محاولة الحصول على كرسي متحرك شديدة الصعوبة، فكان رد المستشفيات الحكومية أنهم لا يوفرون كراسي متحركة للإيجار على عكس المستشفيات الخاصة أو المراكز الطبية، فما كان منا إلا السؤال عن طلبنا هناك فكان الرد مشابها “لا تتوفر كراسي متحركة”، وفي نهاية المطاف وافقت إحدى الجمعيات المخصصة لعلاج الفقراء على تسليمنا كرسيا متحركا.
الكرسي المتحرك:
بعد عناء الحصول عليه كانت الصدمة في شكل الكرسي الذي أصابه التهالك من سوء الاستخدام، فإطارات العجل بدون “كاوتش العجل”، والمسند المخصص لرفع قدم ذوي الإعاقة عليه مكسور، وبعض مسامير الكرسي مفككة.
وكانت المفاجأة الأكبر من سائقي التاكسي حيث رفض العديد منهم الوقوف لمجرد وجود الكرسي المتحرك معنا، ليدور بذهننا تساؤل “أومال لما يبقى فيه حد على الكرسي هيعملوا ايه؟”.
[url]http://im52.gulfup.com/OVEehk.jpg[/url]
[url]http://im47.gulfup.com/k9MWOW.jpg[/url]
السير في الشارع:
جلست المحررة على الكرسي فكان العائق الأول سلالم البناية التي لا مفر منها للوصول إلى الشارع والحل الوحيد هو حمل الكرسي بصاحبه وصولا إلى رصيف الشارع.
بدأ التحرك بالكرسي بصعوبة نظرا لكون الإطارات دون عجل، خطوات قليلة ليكون ارتفاع الرصيف عائقا آخر للوصول إلى الشارع، وأيضا الحل الوحيد هو حمل الكرسي بصاحبه.
لنصل إلى الشارع حيث السيارات والمارة يتسابقون في المرور ليحاول الكرسي المتحرك مجاراتهم، ولكن حفرة وراء حفرة وبعدها مطب ومحاولات متكررة للحفاظ على توازن الكرسي باتت دون فائدة، مما دفع بعض المارة لمساعدة المحررة على تخطي المطب.
لتواجه بعدها طريقا صاعدا “مطلع”، وعلى الرغم من كون الطريق مرتفعا ارتفاعا بسيطا إلا أنه كان بالصعوبة التي دفعت شيخا كبيرا لجر الكرسي حتى نهاية المطلع.
[url]http://im65.gulfup.com/oAVgu9.jpg[/url]
عبور الشارع:
لم يكن عبور الشارع بالصعوبة البالغة على قدر خطورته، فعبور كرسي متحرك وسط سيارات مسرعة قد لا يتسنى لها رؤيته قد يؤدي إلى كارثة خاصة والطريق يفصله رصيف لنعود لنفس المشكلة الأولى ألا وهي استحالة رفع الكرسي على الرصيف دون حمله هو وصاحبه.
العذاب الأكبر:
مرحلة إيقاف وسيلة مواصلات أيا كانت تعتبر معادلة صعبة لا يمكن حلها، إذ انتظرت المحررة نصف ساعة دون جدوى فلم تتوقف أي وسيلة مواصلات لها، لنفاجأ بانضمام سيدة معاقة للمشهد مع ابنتها التي تحاول إيقاف تاكسي ومرت نصف ساعة أخرى دون جدوى فلم يوافق تاكسي واحد على الوقوف للسيدة المعاقة ولم يتوقف أي أتوبيس أو ميكروباص للمحررة.
الرصيف:
في رحلة العودة قررنا أن نسير فوق الرصيف لتجنب السيارات، ولكن “نار الشارع ولا جنة الرصيف” حيث اكتشفنا أن السير على الرصيف أصعب من السير في الشارع وسط السيارات، فخمس خطوات وتضطر للنزول لانتهاء الرصيف وبعدها ثلاث خطوات ورصيف جديد وهكذا، مما أدى لفشل تجربة السير على الرصيف.
جر الكرسي المتحرك:
وهي المرحلة الأخيرة في التجربة فقمنا بجر الكرسي المتحرك وسط الشوارع ولم نتخط مسافة 200 متر ولكن أصابنا التعب الشديد، فمهمة جر الكرسي في شارع تملؤه الحفر والمطبات تمثل مشقة كبيرة على المرافق الذي يفترض أن يكون مع ذي الإعاقة.
شعور المحررة:
بعد الانتهاء من التجربة تحدثت محررة “مصر العربية” عما شعرت به قائلة: “تعاملت كثيراً مع ذوي اﻹعاقة وهم أشخاص ﻻ يظهرون آلامهم أبداً وﻻ يحبون التعاطف، ولكن خلال هذه التجربة شعرت أنا بالعجز وشعرت بضعفي ﻷن الاعتماد على نفسي في التحرك بالكرسي كان في منتهى الصعوبة على الرغم من كوني معافاة والحمد لله فكيف هو الحال بصاحب الإعاقة، أنا أشعر بألم كبير في قدمي وظهري، ويدي بها إصابات نتيجة احتكاكها بالإطارات، شعرت بمعاناتهم في كل سيارة كانت تمر بجانبي وأتفاداها، وفي كل رصيف حاولت الصعود عليه أو النزول منه وفشلت، أحسست بالامتنان ممن ساعدوني ولكن شعرت بالخجل كذلك ﻷجل ذوي اﻹعاقة.
وأضافت: “كل ما شعرت به خلال تجربتي لم يكن شيئاً ﻷنه جانب بسيط مما قد يتعرضون له في الشارع، فأنا لم أحاول أن أتخذ الخطوة وأتعامل مع المواصلات العامة بشكل جدي، واكتفيت فقط بالوقوف وانتظار ما سيحدث، لم أحاول الصعود لأتوبيس ولم أحاول خوض تجربة المترو ولكنني أتخيلها اﻵن وأتخيل ما كان سيحدث من وجع وتعرض لمخاطر أبسطها الوقوع بالكرسي نفسه، وأنا هنا ﻻ أتحدث عمن لديهم القدرة المادية على ركوب التاكسي وإن كان في بعض اﻷحيان ﻻ يستجيب ولا يقف، وﻻ أتحدث عن توافر سيارة، أنا أتحدث هنا عن المعاق الذي يضطر للسير في الشوارع وتلك هي الغالبية العظمى من فئة المعاقين التي منّ الله عليها بقدرات خاصة تفوقنا جميعاً، أتحدث هنا عن الشخص الذي يعمل وﻻ تتوافر له سيارة تقله للعمل، أتحدث عن السيدة التي تضطر للنزول في بعض اﻷحيان ﻷي غرض كان، أتحدث عن أبسط الحقوق ألا وهي مجرد السير في الشارع.
نحن مقصرون في رعايتهم كدولة وكمواطنين، ولكن هم يقابلون هذا التقصير بالصمت أو الابتسامة، هم يحاولون الاندماج معنا ونحن نعزلهم في جميع المناسبات والمواقف، هم يبحثون عن حقوقهم ونحن نبحث عن شهرة أو شكر وامتنان من خلفهم، نحن نسعى بكل ما أوتينا من قوة للحصول على مطالبنا كاملة وﻻ نفكر في أن نجعل حقوقهم من ضمن حقوقنا على الرغم من أن عددهم يتجاوز عشرة ملايين شخص.
شاهد الفيديو:
[url]http://www.youtube.com/watch?v=9EqFK1fG2fM#t=31[/url]