0 تعليق
828 المشاهدات

هيلين كيلر… من رحم الظلام لنور الحياة



«أجمل الأشياء في الحياة وأفضلها لا تحس أو تُرى، بل يجب الشعور بها في صميم القلب».. ربما تبدو الكلمات السابقة شاعرية بعض الشيء، لكن بالنسبة لهيلين كيلر التي عاشت محرومة من نعمتي السمع والبصر، تلك الكلمات هي الحقيقة بكافة وجوهها.

في الواقع، لا يوجد ما هو أكثر إلهاما لأي إنسان سواء كان معاقا أو سليما من السيرة الذاتية لهيلين كيلر، الاسم الذي يعرفه العالم أجمع باعتباره رمزاً للشجاعة ولتحدي الصعوبات، مع العلم بأن هيلين كيلر أكثر من مجرد رمز، هي امرأة مضيئة، طموحة، لديها انجازات عظيمة، منها حرصها على أن تكرس حياتها من أجل خدمة الآخرين وخاصة المكفوفين.
«هيلين كيلر» فقدت حاستي السمع والبصر عندما كانت تبلغ من العمر 19 شهراً، وتحديداً بعد اصابتها بمرض التهاب السحايا والحمى القرمزية، لكنها استعادت قدرتها على النطق في العاشرة من عمرها بالصبر والحب والتفاني من أجل تحقيق الحلم الذي اكتمل في ما بعد، عندما أصبحت عضوة في الحزب الاشتراكي الأميركي، واتحاد عمال العالم، وواحدة من أشهر أعلام القرن العشرين.

طفولة شاقة
«هيلين كيلر» التي جابت العالم للدفاع عن حقوق النساء والعمال والمعوقين، وأصبحت من أكبر أعلام القرن العشرين ومؤسسة مشاركة للاتحاد الأميركي للحريات المدنية، ولدت في الـ27 من يونيو عام 1880 في ولاية «آلاباما» الأميركية لأبوين يدعيان، آرثر وكايت آدامز كيلر.

لم تولد «هيلين كيلر» بأي إعاقة، لكن عند بلوغها سن التاسعة عشرة شهرًا أصيبت بمرض شخصه الأطباء على أنه مرض التهاب السحايا وحمى قرمزية أسفر عن فقد الطفلة الصغيرة لنعمتي البصر والسمع.

وعند وصول «هيلين» لعمر السابعة كانت قد أتقنت 60 إشارة للتعامل مع عائلتها، فهي منذ طفولتها لا تستسلم للواقع مهما كان مريراً، فاستعانت منذ طفولتها بـ «مارتا واشنطن»، ابنة الطباخة التي كانت تعمل في منزلها، حتى ترشدها على الأماكن وتساعدها على التواصل مع الآخرين.

في مارس من العام 1887، بدأت هيلين كيلر رحلتها مع معلمتها آن سوليفان التي رشحها العالم ألكسندر غراهام بيل، الذي كان يعمل حينها مع الأطفال الصم، لوالديّ «هيلين» حتى تكون مرافقة لابنتهما في كل خطواتها التعليمية، وهي الرحلة التي استمرت لمدة 49 عاما إلى أن توفيت آن سوليفان عام 1936 وتحل محلها سكرتيرة كيلر، بولي طومسون.

فعلياً، لم تقتصر علاقة «سوليفان» و«هيلين» على كونهما معلمة وتلميذة، فآن سوليفان أصبحت المسؤولة الأولى عن الطفلة «هيلين»، وحظيت بتفويض من والديّ «هيلين» لنقل الطفلة من منزلها الكبير إلى آخر صغير بحديقة المنزل، حتى يكون هذا المنزل هو العالم الخاص بكلٍ من «هيلين» و»سوليفان».

ساعدت آن سوليفان هيلين في تعلم الكلمات بواسطة التهجئة بالأصابع ووضع الأشياء في يدها الأخرى، فأسفرت تلك الطريقة عن اتقان «هيلين» لـ 900 كلمة بعد مرور عام واحد فقط.

كما ساهمت «سوليفان» في تعلم «هيلين» وبسرعة شديدة علم النباتات، ودراسة الخرائط الجغرافية عن طريق المجسمات التي تم تنفيذها على أرض حديقة منزلها الصغير.

الإصرار على تحدي الصعاب
بفضل معلمتها آن سوليفان واصرارها على التغلب على إعاقتها، بدأت «هيلين» في تعلم التكلم عن طريق لمس شفاه الآخرين أثناء الكلام وطباعة الحروف على كفها، ثم قامت لاحقًا بتعلم طريقة «بريل» للقراءة للمكفوفين.

ولإيمان المعلمة «آن سوليفان» بقدرات تلميذتها ومعرفتها برغبتها الحقيقة في تحدي أي إعاقة تواجهها، قامت»سويفان» باصطحاب هيلين كيلر لمعلمة الصم، سارة فولر، في بوسطن، التي ساعدتها بدورها في تعلم النطق عن طريق لمس شفاه الآخرين عند الكلام لتعلم طريقة تشكل الكلمات.

في البداية، كانت هيلين كيلر تصدر أصواتًا غير مفهومة، لكنها جاهدت كثيرًا لتحسين نطقها للكلمات والجمل عن طريق لمس حنجرة المدرسة والاهتزازات الصادرة منها، حتى أتقنت التحدث في واحد من أعظم الانجازات البشرية في تاريخ تدريب وتأهيل ذوي الإعاقة.

المعجزة الإنسانية
لا عجب في أن هيلين كيلر كانت تلقب بالمعجزة الإنسانية، لأنها على الرغم من فقدانها للسمع والبصر نجحت في أن تصبح مؤلفة وناشطة سياسية ومحاضرة، وكانت أول شخص مصاب بالعمى والصمم يحصل على درجة البكالوريوس والدكتوراه في مجال العلوم والفلسفة من كلية «رادكليف».

أثناء تردد «هيلين» على كليتها، كانت معلمتها «آن سوليفان» دائماً برفقتها، تجلس بجوارها، تدون لها الملاحظات، تنقل لها المحاضرات، فهي كانت بمثابة عين «هيلين» على العالم، والنموذج الحي لمقولة «هيلين الشهيرة « صحبة صديق في الظلام خير من الوحدة في الضياء».

افتح قلبك وانطلق
«عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا»، هذا ما قالته «هيلين كيلر» في أحد مراحل حياتها وهي التي تمكنت رغم ظروفها من بناء علاقات صداقة مع أبرز رؤساء الولايات المتحدة الأميركية وأهم مشاهير عصرها.

لم تتوقف هيلين كيلر يوماً عن المضي قدمًا في رحلتها الملهمة، حيث قامت عام 1915 بتأسيس منظمة هيلين كيلر الدولية (HKI) بمساعدة جورج كيسلر، وهي المنظمة التي كرست مجهوداتها لأبحاث الخاصة بالبصر والتغذية.

كما أنه خلال عام 1920، شاركت «هيلين» في تأسيس الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) بجانب أسماء مثل جورج كيسلر وروجر بالدوين وكريستال إيستمان ووالتر نيليز.

وبمساعدة آن سوليفان وزوجها، جون ماسي، كتبت هيلين كيلر عام 1903، وتحديداً عندما كانت في سن الثانية والعشرين من عمرها، سيرتها الذاتية بعنوان «The Story of My Life» أي «قصة حياتي»، والتي سردت فيها قصة حياتها منذ الطفولة وحتى دخولها الجامعة في سن الواحدة والعشرين.

رحلة الدفاع عن ذوي الإعاقة
جابت هيلين قارات العالم الخمس من أجل زيادة الوعي بذوي الإعاقات وتنمية المعاقين، حيث كانت تثير الاعجاب أينما حلت بعزيمتها وإصرارها على التغلب على إعاقتها، كما أنها حصلت على جوائز عديدة منها ميدالية «ثيودور روزفلت» للانجازات الاستثنائية عام 1936 ووسام الحرية الرئاسي عام 1964 والذي أهداها إياه الرئيس ليندون جونسون.

«هيلين» التي تم منحها لقب «المدافعة عن ذوي الإعاقة» و«أحد دعاة السلام تم اختيارها ليتم تخليدها في ردهة مشاهير النساء عام 1965، علماً بأنها حصلت على الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات داخل أميركا وخارجها، مثل جامعتي «تمبل وهارفارد» داخل الولايات المتحدة وجامعات أخرى في اسكتلندا وألمانيا والهند وجنوب أفريقيا.

على صعيد موهبتها الأدبية، نشرت هيلين كيلر 18 كتابا منها قصة حياتي، الخروج من الظلام، العالم الذي أعيش فيه، أضواء في ظلامي. وفي عام 1962، تم اقتباس سيرتها الذاتية وتحويلها لفيلم سينمائي بعنوان The Miracle Worker أو صانعة المعجزات وهو الفيلم الذي حاز على جائزتي أوسكار لأفضل ممثلة رئيسية وممثلة مساعدة.

النهاية بصحبة صديقة ياباني
ألهمت هيلين كيلر الملايين حول العالم وخاصةً عندما قامت عام 1937 برحلة شاقة وهي في الخامسة والسبعين من عمرها لزيارة قارة آسيا التي تبعد عن موطنها مسافة 65 ألف كيلومتر، واستغرقت منها مدة استمرت خمسة أشهر، قامت خلالها بإلقاء عدد كبير من الخطابات والمحاضرات.

و خلال رحلتها إلى اليابان، تعرفت «هيلين» على صديق صغير مغطى بالفراء وهو الكلب «كاميكازي جو»، الذي كان هدية لها من محافظة أكيتا اليابانية.

وعندما مات «كاميكازي» أهدتها الحكومة اليابانية أخاه كينزان جو عام 1938، علماً بأن «هيلين» ولشدة ارتباطها بكاميكازي كانت وصفته بأنه «الملاك مغطى بالفراء».

قبيل موتها، عانت هيلين كيلر من بعض الأزمات الصحية، ومنذ عام 1961 قضت ما تبقى من عمرها في منزلها حتى وفاتها عام 1968 عن عمر 88 عاما لتظل حياتها وإنجازاتها منارة مضيئة ترشد وتلهم العالم.

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3916 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4333 0
خالد العرافة
2017/07/05 4846 0