تتعدد أشكال التأخر عند الأطفال. لكن لا بد من تحديد معالمها للتوصل إلى تشخيصها. يتولى أطباء الأطفال أو أطباء العائلة متابعة تطور الطفل أو تحذير الأهل في حال وجود مشاكل غير طبيعية لإيجاد الحلول المناسبة. من خلال الإصغاء إلى الطفل، يمكن مساعدته في جميع مراحل نموه.
التأخر الحركي
إنه تأخر في اكتساب القدرات الجسدية مقارنةً بالقدرات العقلية. يرتكز التشخيص على معطيات مستخلصة من حوارات الأهل مع أولادهم، وعلى مراقبة الطفل خلال الاختبارات وتقييم قدراته الحركية الشاملة. يمكن التأكد من الحالة عبر إجراء اختبار حركي لرصد حدة التأخر بصورة عامة أو في مجالات محددة: نطاق الحركة العامة والدقيقة، اضطرابات زمانية مكانية…
قد يكون التأخر الحركي مشكلة معزولة، لكن يمكن أن يتخذ شكل اضطراب في النمو. يجب البحث دوماً عن الروابط المتعلقة بالتأخر العقلي. تكون العوامل التي تعزز التأخر الحركي جسدية بطبيعتها (وراثية، معاناة بعد الولادة)، أو بيئية في حال وجود خلل تفاعلي مبكر أو نقص عاطفي. تشمل العلاجات الفاعلة في هذا المجال: إعادة تأهيل حركة الجسم، نشاطات حركية، التعبير عن الذات. إذا كان التأخر الحركي معزولاً، تبرز الحاجة إلى إعادة تأهيل الحركة والمشاركة في ألعاب منشِّطة وتوفير الدعم النفسي للطفل وعائلته، ثم اللجوء إلى وسائل محددة لتحسين الأداء المدرسي.
اضطراب في التنسيق
يطبع هذا الاضطراب النمو الذي يترافق مع مشاكل في الحركة، ما يؤدي إلى تبلد الذهن وبطء في الاستيعاب والحركة. يرتكز التشخيص على رصد التأخر في الجلوس والزحف والمشي. خلال الاختبار، يُطلَب من الطفل القفز بالقدمين أو بقدم واحدة، أو الوقوف على قدم واحدة، أو التقاط الكرة… تسجل هذه الاختبارات الحركية علامات على {الأداء} أو القدرات {غير الشفهية}، وهي تكون أدنى مستوى من العلامات {الشفهية}.
يمكن أن يؤثر الاضطراب كثيراً على الحياة المدرسية والنشاطات الشائعة: مشاكل في اللغة (النطق) وفي القدرة على التعلم (كتابة)، صعوبة في التفاعل مع الجماعة (ألعاب مشتركة). لا بد من رصد الاضطرابات الحسية أيضاً (مشكلة سمعية وبصرية). يكتمل هذا التحليل عبر تقييم عصبي، فضلاً عن البحث عن أي عجز حركي دماغي أو اعتلال عضلي…
غياب التوازن الحركي
تشمل هذه الحالة مجموعة من الاضطرابات وفرط النشاط وقلة الانتباه… لكن لا بد من التمييز بين الطفل الذي يُظهر سلوكاً مَرَضياً والطفل {الحيوي} بكل بساطة. تظهر هذه المشاكل بين عمر الخامسة والسادسة وهي طاغية عند الفتيان تحديداً. يرتكز التشخيص على إجراء مقابلة مع الأهل والتحاور مع الأولاد على انفراد ومراقبة العلاقات بين الأهل والأولاد. أحياناً، يمكن التأكد من التشخيص عبر مقياس أو تقييم أدق للنواحي النفسية والحركية والشفهية. يمكن رصد الحالات الآتية عيادياً:
اضطراب قلة الانتباه
• حركة مفرطة تكون عشوائية وفوضوية ومن دون هدف واضح.
• حركات متواصلة وصاخبة ومتخبطة، يمكن السيطرة عليها بدرجة معينة.
• اختراق مساحة الآخرين والتشويش عليهم دائماً.
• قلة انضباط، عدم تحمّل الجلوس لفترة طويلة.
• سلوك فوضوي: نشاطات مفرطة وخرقاء.
• اندفاع مفرط: قفز، تسلق، لمس في مختلف المناسبات.
• عدم القدرة على التمييز بين الأمور.
• أداء شائب، أجوبة سريعة جداً.
• العقوبات المتواصلة لا تعطي نتيجة.
غياب الاستقرار النفسي
• ضياع الطفل وسط جميع الحوافز الخارجية.
• قلة انتباه وصعوبة في التركيز الفكري.
• التهاء دائم.
في المقابل، يمكن أن ينجز الطفل أي مهمة بالشكل الصحيح عند تواجد شخص راشد بقربه.
أعراض ذات صلة، بدرجات متفاوتة
• قلق متشعّب يخفيه فرط الحركة.
• عدائية، غضب ناجم عن كبت المشاعر.
• تصرفات استفزازية.
• سلوكيات تعبّر عن الاعتراض والتحدي والرفض واللامبالاة.
• تقلّب المزاج والانتقال من الضحك إلى البكاء، ومن الحماسة إلى الحزن، ومن الشعور بالانتصار إلى الاكتئاب.
• صعوبة في استعمال اللغة والتعبير الشفهي.
• مشاكل في إقامة العلاقات.
• مشاكل في التعلم، تحديداً في القراءة والحساب.
العواقب
على المستوى العائلي: انزعاج شديد، ميل إلى تعقيد الأمور، رفض دائم، إنكار الواقع، سلوكيات عنيفة…
على المستوى المدرسي: نتائج متواضعة، تدابير انضباطية غير فاعلة، رسوب أو تأخر في الاستيعاب، تعقيدات حادة قد تؤثر على مستقبل الطفل…
مقاربات علاجية
تختلف هذه المقاربات بحسب كل حالة:
مقاربة عائلية: إنها مقاربة ضرورية دوماً لدعم الأهل وتغيير التفاعلات الشائبة التي أصبحت مترسخة.
مقاربة جسدية (رقص إيقاعي، استرخاء، إعادة تأهيل حركة الجسم) لاستعادة المتعة في النشاطات والتحكم بالجسم.
دعم نفسي، فردي أو جماعي، مع معالجين نفسيين متخصصين بالتحليل النفسي أو التحليل المعرفي السلوكي.
علاجات بالأدوية: الدواء التقليدي الأكثر شيوعاً هو {الريتالين}، وقد ثبتت فاعليته حين تكون الوصفة مناسبة. يمكن البدء بأخذه بعد عمر السادسة.
التأخر اللغوي
تبرز هذه المشكلة حين تكون قدرة الطفل على التكلم أقل من قدرة الأطفال في عمره، من دون وجود سبب واضح.
الأسباب
بيئة الطفل، مشاكل في السمع، أمراض دماغية خلال الحمل أو في الأشهر الأولى…
بيئة غير مشجِّعة حيث يقل الكلام مع الطفل أو تُستعمل لغة الأطفال معه.
بيئة متطلبة جداً حيث يبالغ الراشدون في تعليم الطفل وينتظرون منه تعلّم قدرات تفوق عمره. هكذا يشعر الطفل بالعجز فيوقف تطوره خوفاً من الفشل.
الحلول
يجب استشارة الطبيب كي يوجّه الأهل إلى الاختصاصي المناسب. إذا لم يُعالَج التأخر اللغوي بما يكفي، قد يتعقد الوضع ويتحول إلى عسر قراءة ومشاكل عامة في التعلم. يمكن اللجوء إلى العلاج النفسي إذا كان التأخر اللغوي مرتبطاً برغبة في التمسك بمرحلة الطفولة أو باضطرابات عاطفية أخرى. يمكن أن يساعد الأهل من الناحية اللغوية: تصحيح العبارات التي يقولها الطفل بلغته الخاصة، المشاركة في ألعاب المفردات، القراءة مع الطفل…
يُشار إلى أن جميع الأولاد يواجهون المصاعب منذ مرحلة تعلّم الكلام، ولا تقتصر المشكلة على النطق بل إنها ترتبط أيضاً بالتشجع على الكلام. لكن حين تستمر الحالة حتى مرحلة عمرية معينة وتسبب مشاكل جدية في التواصل، يمكن التحدث عن وجود اضطراب أو تأخر. في هذه الحالة، لا بد من استشارة اختصاصي النطق بالإضافة إلى طبيب الأطفال. وحده هذا الاختصاصي يستطيع تفسير أسباب المشكلة بدقة.
بعد رصد الاضطراب، يقضي دور الأهل بدعم أولادهم في وجه المشاكل التي يواجهونها. يجب أن يشعر الطفل بأنه ليس وحيداً في مشاكله ولا بد من تشجيعه حين يقوم بأبسط جهد، لا سيما خلال التمارين التي يوصي بها اختصاصي النطق أو الطبيب النفسي.