يحتاج ذوو الاحتياجات الخاصة كغيرهم من الأبناء الأصحاء إلى حب وحنان وعاطفة وتقبلٍ من جميع شرائح المجتمع لا سيما الابوين، وهذه الاحتياجات متبوعة بالرعاية والاهتمام، بمثابة رصيد معنوي كبير لهم، وحماية من المشكلات النفسية والصحية التي قد تلاحقهم حال استسلامهم للإعاقة، وما يتبع ذلك من هزيمة أمام قدراتهم العقلية والبدنية التي يفترض أن تبقى في هدنة دائمة مع المرض والإعاقة.
وقد يكون المصابون بمتلازمة داون، الأحوج بين زملائهم المعاقين، إلى حضن دافئ من حرارة الحب والعاطفة والشفقة، بل ويحتاجون أكثر من غيرهم إلى الرعاية والمتابعة والتربية، والتواصل مع مراكز تأهيلهم وتعليمهم من أجل تلمس حاجاتهم المختلفة وخصوصاً الفسيولوجية، حتى إذا ما نجحت الأسرة في احتواء هؤلاء، والتعامل معهم بخبرة ولطافة، فإنها بالتأكيد ستضمن معيشة هادئة ومريحة لها ولأصحاب «المتلازمة».
كما تحتاج أسر هؤلاء المصابين، إلى برامج إرشادية تساعدهم على فهم احتياجاتهم، وتدريبهم على كيفية التواصل معهم ورعايتهم وتربيتهم من دون إيذائهم أو جرح مشاعرهم، وإذا كان لدى أولياء الأمور بعض الآمال غير الواقعية بشأن أبنائهم، وفرص شفائهم كما يتصورون، فلا بد من مساعدتهم على إدراك الحلول الواقعية.
محمد يحيى يوسف عمره 18 عاماً، ومصاب بمتلازمة داون، يتلقى تعليماً وتدريباً في مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة في دبي منذ العام 2006، ويقول القائمون على رعايته إنه يعطي صورة إيجابية مفعمة بالأمل والاطمئنان عن حالته، ويتصرف بحكمة ووعي، وانضباط، ويحب مخالطة الناس كثيراً، والدخول معهم في نقاش يتجاوز قدراته العقلية، إضافة إلى أنه يحسن التحدث باللغة الإنجليزية، وهو أيضاً هاوٍ للتصوير والعزف الموسيقي، وبعض الرياضات الأخرى، خصوصاً رياضة السباحة التي تعلمها في وقت مبكر من طفولته، وصار يمارسها بشكل دوري.
عن حالة محمد، يحدثنا محمد يونس رئيس قسم الفنون وتنظيم الفعاليات في مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة، وهو الشخص الذي يتابع حالته ويدربه، وهو كذلك من كشف مواهبه، ويعمل على تطويرها وتعزيز الثقة في نفسه، إلى أن يصبح شاباً فاعلاً في المستقبل، ويلتحق بزملائه الذين تخرجوا في المركز، وظفروا بوظائف وأعمال تناسب حالتهم الصحية وقدراتهم العقلية.
يقول يونس: «محمد طالب متميز بين زملائه المصابين بالمتلازمة، وهو إنسان رائع بصفاته الشخصية، منضبط وملتزم بتعليمات وتوجيهات مدرسيه وأفراد أسرته، ويحب التعلم والمغامرة، وحريص على مخالطة زوار المركز، والحديث معهم بأسلوبه المتواضع وكلماته التي يحاول من خلاها إيصال رسالة للمحيطين به بأنه إنسان عادي، يحب الحياة، ولا يريد أن يستسلم لإعاقته، أو لنظرة المجتمع له».
ويضيف رئيس قسم الفنون وتنظيم الفعاليات: «بعد التحاق محمد بالمركز عام 2008، لاحظنا أنه يتمتع بشخصية قوية، ويحب التعلم، والمغامرة والإثارة، وصرنا نقترب من عالمه أكثر فأكثر، ونقبنا عن مكنوناته الشخصية، حتى وجدنا أنه من الطلبة المتميزين الذين من السهل عليهم قهر إعاقتهم، ومهادنتها، واتقاء تداعياتها ومشكلاتها النفسية والجسدية، وهذا ما حدث بالفعل، حيث تبين أن محمد يهوى العزف الموسيقي، والتصوير الفوتوغرافي، والسباحة، وهو الآن متقن لهذه الفنون، ولديه محاولات كثيرة في السباق نحو الفوز ببعض الجوائز المحلية، إلى جانب مشاركاته الداخلية على صعيد المركز، والخارجية على صعيد الفعاليات والأنشطة الأخرى التي تقام لأجل نصرة هذه الفئة، وإدخال البهجة والفرحة إلى نفوسها».