أسهم فريق طبي في مستشفى «جريت أورموند ستريت»، في اعادة السمع والفرح لصبي صغير يدعى عبدالرحمن العتيبي، عمره 5 سنوات و10 أشهر، الأمر الذي أسعد عائلته.
وتحكي أم عبدالرحمن، بعينين فائضتين بدموع الامتنان، تفاصيل رحلة مبكرة جداً، لمرض ولدها عبدالرحمن، فمنذ اليوم الثاني لولادته، تعرّض عبد الرحمن لهبوط حاد ومفاجئ في مستوى السكر في الدم، وكان والداه حائرين وهما يريان طفلهما في هذه الحالة وأنامله الزهرية الصغيرة تتحول إلى لون أزرق مخيف، فتوجها به للفور إلى مستشفى العدان، حيث كشف التشخيص الأولي عن إصابة عبد الرحمن بمرض السكر من النوع الأول.
وبعد ثلاثة أشهر من العلاج الموقت في الكويت، أشارت احدى الطبيبات في مستشفى العدان بضرورة نقل عبدالرحمن إلى مستشفى «جريت أورموند ستريت» في لندن، ولم تتوان الطبيبة المشرفة على حالة عبد الرحمن في مستشفى العدان الدكتورة زهراء قبازرد، عن المساهمة الفاعلة في تخليص أوراق علاجه في الخارج، حيث رفعت كتاباً مستعجلاً إلى وزارة الصحة تنبئهم فيه بضرورة نقل عبد الرحمن إلى «جريت أورموند ستريت» على وجه السرعة، نظراً لكون المستشفى معروفاً بتخصصه في علاج أمراض الأطفال المستعصية والنادرة، وتعاونه المثمر لسنوات عديدة مع وزارة الصحة الكويتية في هذا المجال.
وعندما وصل عبدالرحمن، الطفل الرضيع ابن الثلاثة أشهر إلى «جريت أورموند ستريت»، تم وضعه في قسم أمراض الغدد الصماء، وبدت واضحة معاناته من خلل Usher’s الجيني، بالإضافة إلى فقدانه السمع كلياً، كما أن الخلل الجيني أثر على توازنه وقدرته على المشي والتواصل والإبصار، وعلى الرغم من سوء حالته الصحية، فإن ثقة والدي عبد الرحمن كانت هائلة بقدرات الأطباء في «جريت أورموند ستريت». وارتأى الاستشاري الشرفي في أمراض الغدد الصماء والسكري في مستشفى «جريت أورموند ستريت» والمحاضر في طب الأطفال والغدد الصماء في معهد UCL لصحة الطفل الدكتور خالد حسين، ضرورة تعديل مستوى السكر في جسم عبد الرحمن قبل البدء بعلاج الصمم لديه، لذا عمد إلى استئصال 95 في المئة من البنكرياس لديه، نظراً لوجود خلل وقصور في توزيع السكر على الجسم، كما تم إجراء عملية ربط للمعدة وتركيب فتحة تغذية فيها منعاً لارتجاع المريء والتقيؤ، وكل هذا تم باستخدام أحدث المعدات والأجهزة الطبية.
بعدها، اخبرت طبيبة استشاري القناة السمعية رئيسة قسم زراعة القوقعة في مستشفى «جريت أورموند ستريت»، الدكتورة كوكب راجبوت، والدي عبدالرحمن بضرورة إجراء عملية زراعة القوقعة، وهي جهاز الكتروني يؤمّن القدرة السمعية لمرضى الصمم، ويمكّنهم من سماع الأصوات والضجيج حولهم والتواصل بشكل أفضل مع محيطهم. وقالت الدكتورة راجبوت «ناقشنا مع والديه ومكتب الكويت الصحي مدى حاجة عبدالرحمن إلى علاج ثانوي للتأكد من نيله أفضل نوعية ممكنة من الحياة السليمة، وكان والداه شجاعين وقبلا نتائج الفحوصات، وقد تكللت عملية زراعة القوقعة بالنجاح قبيل أن يطفئ عبدالرحمن شمعة عيده الأولى». واضافت «تمت لعبدالرحمن زراعة قوقعة ثنائية على يد فريق زراعة القوقعة، وتمكّن والدا عبد الرحمن أخيراً من الحديث إليه ورؤية ردة فعله لسماع صوتيهما، كما كانا مذهلين باتباعهما النصائح الطبية التي زودناهما بها بحذافيرها والتزامهما ببرنامج التدريب الذي وضع من قبل فريق العمل في جريت أورموند ستريت، ما مكّن عبدالرحمن من التكلم والتواصل كأي طفل طبيعي وتلميذ نجيب متفوق في مدرسته».
ونقلت الدكتورة راجبوت عن والدة عبد الرحمن، انه «لم يكن من السهل اتخاذ قرار مماثل، خصوصاً أن عبدالرحمن كان يحتاج لزراعة قوقعتين اثنتين في كلتا أذنيه ليستعيد السمع ويحيا حياة طبيعية قدر الإمكان، ولقد استشعرت اهتمام كامل الطاقم الطبي في المستشفى بالحفاظ على حياة ولدي وجهودهم لتدارك أي مضاعفات صحية قد يتعرض لها مستقبلاً».
واتفق كل من الدكتور خالد حسين، والدكتورة كوكب راجبوت مع وزارة الصحة الكويتية بهدف تمديد مدة إقامة عبد الرحمن في مستشفى «جريت أورموند ستريت» نظراً لخطورة وضعه الصحي وضرورة بقائه تحت المراقبة الصحية لمدة تتجاوز الستة اشهر.
ومكث عبد الرحمن في مستشفى «جريت أورموند ستريت» لمدة سنة وأربعة اشهر، حيث أبدى الطاقم الطبي وفريق العمل من أطباء وممرضات تعاطفاً كبيراً حياله وتحلّقوا حوله كأسرة واحدة، كانوا يتألمون لألم عبد الرحمن ويبذلون قصارى جهدهم لتخفيف معاناته.
وقالت أخصائية التمريض السريري ديبي كيرنز، «أذكر عبد الرحمن في سن مبكرة، حين أتى إلينا في جناحBumble Bee وسرعان ما اصبحت الغرفة رقم 7 مكان إقامته، وكانت والدته دائمة الصمت والقلق نظراً لكونها في بلد غريب ذي ثقافة مختلفة، ولكننا نقدم الدعم على عدة مستويات لمساعدة العائلات للاستقرار في المستشفى، ابتداء من تقديم الشرح الإضافي لحالة الطفل إلى إعطاء المعلومات عن الأماكن الدينية وتقديم تدريب تمريضي أولي للعائلات لإعطائها الثقة للاستمرار في القيام برعاية أطفالها عند مغادرة المستشفى والعودة إلى أرض الوطن، وسرعان ما أصبحنا صديقات أثناء إقامتهم هنا، وليس هذا فحسب، بل أصبحت والدة عبد الرحمن خير ممرضة تعتني بعبد الرحمن، وبحكم بقائه معنا لفترة طويلة، فإننا شاهدنا عبدالرحمن يكبر أمامنا، وكان لدينا الكثير من أوقات اللعب والضحك، وخصوصاً في أوقات استراحة الأم، أذكر أيضاً كم كان مضحكاً حين رأت أم عبدالرحمن الثلج يتساقط للمرة الأولى، ومّدى الفرح الذي عشناه أثناءها».
وقالت أخصائية الألعاب في قسم العيادات الخارجية باتريشا ديل، «كان عبد الرحمن صبياً جميلاً مفعما بالطاقة ودائم الابتسام، وكان يحب الفنون والأشغال اليدوية وقضينا الكثير من الوقت في الرسم وصنع الأشياء»، مشيرة الى ان مستشفى جريت أورموند ستريت يولي أهمية كبرى للعب والتعليم كجزء من العلاج الشامل والرعاية الممنوحة للطفل، ويمكن العثور على فسحات للعب في كل جناح من أجنحة المستشفى، جنباً إلى جنب مع المدرسة الخاصة التابعة للمستشفى، والتي تعد نواة أساسية لكافة مرافق المستشفى.
وما زال عبدالرحمن حتى اليوم يسافر بشكل دوري منتظم إلى مستشفى «جريت أورموند ستريت» ليخضع لتقييم عام لحالته الصحية على يد الدكتور خالد حسين الذي ينوي زراعة جهاز بديل عن البنكرياس يعمل كمضخة مهمتها توزيع السكر باعتدال على الجسم، على أن يستمر عبد الرحمن في أخذ إبر الأنسولين إلى أن يبلغ من العمر 22 عاماً ويتمكن بعدها من إجراء عملية الزراعة.